[الفاتحة: ١] وعلى نعمة الآخرة بقوله مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: ٣] يقرأ في الافتتاح وفي الاختتام. واعلم أنه تعالى وصف نفسه في أول هذه السورة بأن له ما في السموات وما في الأرض إيذانا بأن كونه مالكا لكل الأشياء يوجب كونه محمودا على كل لسان، لأن الكل إذا كان له فكل من ينتفع بشيء من ذلك كان مستنفعا بنعمه. ثم صرح بأن له الحمد في الآخرة تفضيلا لنعم الآخرة على نعم الدنيا وإيذانا بأنها هي النعمة الحقيقية التي يحق أن يحمد عليها ويثنى عليه من أجلها مع إفادة الاختصاص بتقديم الظرف وَهُوَ الْحَكِيمُ في الابتداء الْخَبِيرُ بالانتهاء. ثم أكد علمه بقوله يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ أي يدخل فيها من المياه والحبات والكنوز والأموات وَما يَخْرُجُ مِنْها من الشجر والنبات ومياه الآبار والجواهر والمعدنيات وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من الأمطار والأرزاق وأنواع البركات والوحي وَما يَعْرُجُ فِيها من الملائكة وأعمال العباد. وقد أشار بقوله فِيها دون أن يقول «إليها» إلى أن الأعمال الصالحة مقبولة والنفوس الزكية واصلة، فقد ينتهي الشيء إلى الشيء ولا ينفذ فيه ولا يتصل به وَهُوَ الرَّحِيمُ حين الإنزال الْغَفُورُ وقت عروج الأعمال للمفرطين في الأقوال والأفعال. ثم بين أن نعمة الآخرة بإتيان الساعة الآخرة قد ينكرها قوم ثم رد عليهم بقوله بَلى وأكد ذلك بقوله وَرَبِّي ثم برهن على ذلك بقوله عالِمِ الْغَيْبِ لأن العالم بجميع الأشياء عالم بأجزاء الأحياء قادر على جمعها كما بدأها. وفي قوله لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إشارة إلى أن الإنسان له جسم أرضي وروح سماوي، فالعالم بما في العالمين القادر على تأليفهما قادر على إعادتهما على ما كانا عليه. وإنما ذكر الأكبر مع أن الأصغر هو اللائق بالمبالغة لئلا يتوهم متوهم أن الصغار تثبت لكونها تنسى أما الأكبر فلا ينسى فلا حاجة إلى إثباته، بل المراد أن الصغير والكبير مثبت في الكتاب وقد مر نظيره في «يونس» . وقدم السموات على الأرض موافقة لقوله لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ بخلاف «يونس» فإن المخاطبين في الأرض فقدمت. ثم ذكر غاية الإعادة بقوله لِيَجْزِيَ إلى قوله مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ومعنى سَعَوْا فِي آياتِنا أي في إبطال آياتنا معاجزين مريدين تعجيز النبيّ في التقرير والتبليغ، أو يعجزون من آمن بنا. وقيل: أي مسابقين يحسبون أنهم يفوتوننا. وقال ابن زيد: جاهدين وهو قولهم لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [فصلت: ٢٦] وعن قتادة: الرجز سوء العذاب. وحين بين جزاء المؤمن الصالح عمله والمكذب الساعي العجز علم منه حال غيرهما، فالمؤمن الذي لم يعمل صالحا يكون له مغفرة من غير رزق كريم، والكافر غير المعاند يكون له عذاب وإن لم يكن من أسوأ أنواعه. ثم بين أن الذين أوتوا العلم لا يغترون بشبهات أهل العناد ويرون ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق ليس الحق إلا هو