للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شفعائكم وقرنائكم. أو المراد تميزهم بسواد الوجه وزرقة العين وبأخذ الكتاب بالشمال وبخفة الميزان وغير ذلك. وقال صاحب المفتاح: قوله إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ إلى آخر الآيات خطاب لأهل المحشر بدلالة الفاء في قوله فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ بعد قوله إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وقد جاء في التفاسير أن قوله إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ إنما يقال حين يسار بهم إلى الجنة فيؤل معنى الكلام إلى قول القائل إن أصحاب الجنة منكم يا أهل المحشر يؤل حالهم إلى أسعد حال فليمتازوا عنكم إلى الجنة، وامتازوا أنتم عنهم أيها المجرمون. ثم كان لسائل أن يقول: إن الإنسان خلق ظلوما جهولا والجهل عذر فبين الله تعالى أن الأعذار زائلة قائلا أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ والآية إلى قوله أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ شبه اعتراض، فيه توبيخ لأهل النار وما ذلك العهد عن بعضهم أنه الذي مر ذكره في قوله وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ [طه: ١١٥] وقيل: هو المذكور في قوله وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ [الأعراف: ١٧٢] وقيل: هو المبين على لسان الرسل. ومعنى لا تَعْبُدُوا لا تطيعوا ولا تنقادوا وسوسته وتزيينه. وقوله هذا إشارة إلى ما عهد إليهم من مخالفة الشيطان وعبادة الرحمن. قال أهل المعاني: التنوين في قوله صِراطٌ للتعظيم إذ لا صراط أقوم منه، أو للتنويع أي هذا بعض الطرق المستقيمة، ففيه توبيخ لهم على العدول عنه كما يقول الرجل لولده وقد نصحه النصح البالغ: هذا فيما أظن قول نافع غير ضار. وفي ذكر الصراط هاهنا إشارة إلى أن الإنسان في دار التكليف مسافر والمجتاز في بادية يخاف فيها على نفسه وماله لا يكون عنده شيء أهم من معرفة طريق قريب أمن. ثم بين لهم عدواة الشيطان بقوله وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا وهو في لغاته كلها بمعنى الخلق من جبله الله على كذا أي طبعه عليه. عن علي رضي الله عنه أنه قرأ جيلا بياء منقوطة من تحت بنقطتين. ثم أشار إلى محل امتياز المجرمين إليه بقوله هذِهِ جَهَنَّمُ وقوله اصْلَوْهَا أمر إهانة وتنكيل نحو ذق. وفي قوله الْيَوْمَ إشارة إلى أن اللذات قد مضت وأيامها قد انقضت وليس بعد ذلك إلا العقاب. روى أهل التفسير أنهم يجحدون يوم القيامة كفرهم في الدنيا فحينئذ يختم على أفواههم وتتكلم جوارحهم.

وفي الحديث «يقول العبد يوم القيامة إني لا أجيز شاهدا إلا من نفسي فيختم على فيه ويقال لأركانه: انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعد الكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل» «١»

قال المتكلمون: إنه لا يبعد من الله تعالى إنطاق كل جرم من الأجرام إنطاق اللسان وهو فاعل لما يشاء. قال الحكيم: إنهم لا يتكلمون بشيء لانقطاع أعذارهم وانهتاك أستارهم فيقفون ناكسي الرؤوس وقوف القنوط اليئوس.


(١) رواه مسلم في كتاب الزهد حديث ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>