للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لام التعليل، بل جوز أن تكون المفتوحة بدلا من قَوْلُهُمْ والمكسورة مفعولا ل قَوْلُهُمْ ويكون نهي الرسول عن ذلك كنهيه عن الشرك في قوله وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: ١٤] ثم أردف الرسالة بالحشر مع أن فيه دليلا آخر على التوحيد مأخوذا من الأنفس، فإن الأول كان مأخوذا من الآفاق. وفي قوله فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وجهان: أحدهما فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا رجل مميز منطيق معرب عما في ضميره كقوله أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف: ١٨] فقوله مِنْ نُطْفَةٍ إشارة إلى أدنى ما كان عليه الإنسان وقوله فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ إشارة إلى أعلى ما حصل عليه الآن، لأن أعلى أحوال الناطق أن يقدر على المخاصمة والذب عن نفسه بالكلام الفصيح. وثانيهما

قول كثير من المفسرين إنها نزلت في جماعة من كفار قريش تكلموا في البعث فقال لهم أبيّ بن خلف الجمحي: واللات والعزى لأصيرن إلى محمد ولأخصمنه.

وأخذ عظما باليا فجعل يفتته بيده ويقول: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمّ؟

فقال صلى الله عليه وسلم: نعم ويبعثك ويدخلك جهنم.

قال أهل البيان: سمى قولهم مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ مثلا لأن إنكار قدرة الله تعالى على إحياء الموتى قصة عجيبة. وفيه تشبيه الخالق القادر العليم بالمخلوق العاجز عن خلق أدنى بعوضة الجاهل بما يجري عليه من الأحوال. والرميم اسم لما بلي من العظام كالرمة والرفات ولا يبعد أن يكون صفة. ولم تؤنث بتقدير موصوف محذوف أي شيء رميم، أو لأنه بمعنى فاعل كقوله إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ [الأعراف: ٥٦] وفي الآية دليل ظاهر على أن عظام الميتة نجسة لأن الموت والحياة يتعاقبان عليها. وقال أصحاب أبي حنيفة: إنها طاهرة وإن الحياة لا تحل فيها فلا يتصور موتها، وكذا الشعر والعصب. وتأوّلوا الآية بأن المراد بإحياء العظام ردّها على ما كانت عليه غضة طرية في بدن حيّ حساس. واعلم أن المنكرين للحشر منهم من اكتفى في إنكاره بمجرد الاستبعاد كقوله مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ فأزال استبعادهم بتصوير الخلق الأول، فإن الذي قدر على جعل النطفة المتشابهة الأجزاء إنسانا مختلف الأبعاض والأعضاء، مودعا فيه الفهم والعقل وسائر أسباب المزية والفضل، فهو على إعادتها أقدر.

ومنهم من ذكر شبهة وهي كقولهم: إن الإنسان بعد العدم لم يبق شيئا فكيف يصح إعادة المعدوم عقلا؟ أو كقولهم: إن الذي تفرقت أجزاؤه في أبدان السباع وجدران الرباع كيف يجمع ويعاد؟ أو كقولهم إن إنسانا إذا نشأ مغتذيا بلحم إنسان آخر فلا بد أن لا يبقى للآكل وللمأكول جزء يمكن إعادته. فأجاب الله تعالى عن الأول بقوله يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني كما خلق الإنسان ولم يكن شيئا مذكورا فإنه يعيده وإن لم يكن شيئا. وعن الباقيتين بقوله وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ فيجمع الأجزاء المتفرقة في البقاع والسباع وهكذا

<<  <  ج: ص:  >  >>