للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعلم الأصلي من الفضلي فيجمع الأجزاء الأصلية للآكل والمأكول. ثم شبه خلق الإنسان بل الحيوان من قبل إيداع الحرارة الغريزية التي بها قوام الحياة في جوهر رطب طريّ بإنشاء الشجر الأخضر الذي تنقدح منه النار. قالت العرب: في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي استكثر واستغزر يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ- وهو ذكر على العفار- وهي أنثى- فتنقدح النار بإذن الله عز وجل.

وعن ابن عباس: ليس من شجرة إلا وفيها نار إلا العناب قالوا: ولذلك يتخذ منه كذينقات القصارين. قلت: ويشبه أن يكون كل شجرة في غاية الصلابة هكذا إلا أن يكون له سبب خاص به كما يروى أنه معجزة لموسى عليه السلام فإنه قد رأى النار فيها فلا ينبغي لغيره أن يراها. ثم أكد قدرته الكاملة على خلق الإنسان إبداء وإعادة بتذكر خلق السموات والأرض الذي هو أكبر من خلق الناس. ثم أثبت ما نفاه مستفهما للتقرير بقوله بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الكثير الخلق الكامل فيه الْعَلِيمُ بكل جوهر وعرض وما يطلق عليه اسم الشيئية. ثم بين أن إيجاده ليس متوقفا إلا على تعلق الإرادة بالمقدور وقد مر تقريره في أوائل «البقرة» وغيرها. قالت المعتزلة: في الآية دلالة على أن المعدوم شيء. وأجيب بأن الآية دلت على أنه حين تعلق الإرادة به شيء، أما إنه قبل ذلك شيء فكلا. ثم ختم السورة بتقرير المبدأ والمعاد على الإجمال. فقوله بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ إشارة إلى المبدأ.

وقوله وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ إشارة إلى المعاد وإذا تقرر الطرفان فما بينهما الوسط المشتمل على التكاليف والرسالة، فهذه الآية كالنتيجة للمقدمات السابقة في السورة. عن ابن عباس:

كنت لا أعلم ما روي في فضائل يس وقراءتها كيف خصت بذلك فإذا أنه لهذه الآية.

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ان لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس» «١»

فذكر الإمام الغزالي رضي الله عنه أن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر وأنه مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه فلذلك سماها قلب القرآن. وقال غيره: إن الأصول الثلاثة التي يتعلق بها نصيب الجنان وهي التوحيد والرسالة والحشر مكررة في هذه السورة. وليس فيها شيء من بيان وظيفة اللسان ولا العمل بالأركان. فلما كان أعمال القلب لا غير سماه قلبا، ولهذا ورد في الأخبار أنه ينبغي أن تقرأ على الميت حالة النزع وذلك ليزداد بها قوة قلبه، فإن الأعضاء الظاهرة وقتئذ ساقطة المنة، والقلب مقبل على الله معرض عما سواه ولنا فيه وجه هو بالتأويل أشبه فلنذكره هناك.


(١) رواه الترمذي في كتاب ثواب القرآن باب ٧. الدارمي في كتاب فضائل القرآن باب ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>