للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علينا وعيد الله بأنا ذائقون لعذابه لا محالة لعلمه بحالنا واستحقاقنا بها العقوبة فَأَغْوَيْناكُمْ فدعوناكم إلى الغي لأنا كنا غاوين فأردنا إغواءكم لتكونوا أمثالنا. وحين حكى كلام الأتباع والمتبوعين أنتج من ذلك قوله فَإِنَّهُمْ جميعا يَوْمَئِذٍ أي يوم القيامة فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ كما كانوا مشتركين في الغواية. ولعل للمتبوعين عذابا زائدا للإغواء ولكن الزيادة لا تنافي الاشتراك في أصل الشيء إِنَّا كَذلِكَ أي مثل ذلك الفعل نَفْعَلُ بكل مجرم أي كافر بدليل قوله إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ يأبون من قبوله، والجملة الشرطية خبر «كان» وهو مع الاسم والخبر خبر «إن» وإن ألغيت «كان» فالخبر يَسْتَكْبِرُونَ و «إذا» ظرفه.

وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ عنوا محمدا صلى الله عليه وسلم بين أنهم منكرون للتوحيد وللنبوّة جميعا فردّ عليهم بقوله بَلْ جاءَ متلبسا بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ وفيه تنبيه على أن التوحيد دين كل الأنبياء ثم صدقهم في قولهم فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا ونقل الكلام من الغيبة إلى الحضور للمبالغة قائلا إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ ثم كان لقائل أن يقول: كيف يليق بالرحيم الكريم المتعالي عن النفع والضر أن يعذب عبيده فقال وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فالحكمة اقتضت الأمر بالخير والطاعة، والنهي عن القبيح والمعصية، والأمر والنهي لا يكمل المقصود بهما إلا بالترغيب والترهيب، وإذا وقع الإخبار عنه وجب تحققه صونا للكلام عن الكذب هذا بتفسير المعتزلة أشبه. والسنّي يقول: لا اعتراض عليه في شيء ولا يسأل عما يفعل. قال جار الله إِلَّا عِبادَ اللَّهِ استثناء منقطع أي لكن عباد الله الْمُخْلَصِينَ أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ قلت: يجوز أن يكون الاستثناء متصلا والمعنى: وما تجزون إلا ما كنتم تعملون من غير زيادة إلا المخلصين فإن جزاءهم بالأضعاف. ويحتمل أن يكون الخطاب في قوله إِنَّكُمْ للمكلفين جميعا فيصح الاستثناء المتصل مطلقا أي تذوقون العذاب الأليم. قوله مَعْلُومٌ قيل: أي معلوم الوقت كقوله وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم: ٦٢] وقيل: معلوم الصفة لكونه مخصوصا بخصائص خلق عليها من طيب طعم ورائحة ولذة وحسن منظر. وقيل: معلوم القدر على حسب استحقاقهم. وقيل: أراد أنهم يتيقنون دوامه لا كرزق الدنيا الذي لا يعلم متى يحصل ومتى يقطع. ثم فسر ذلك الرزق بأنه فَواكِهُ فقيل: إن الفاكهة عبارة عما يؤكل لأجل التلذذ لا لأجل الحاجة، وأرزاق أهل الجنة كلها كذلك لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات فإنهم أجسام محكمة مخلوقة للأبد فلذلك سمي رزقهم فاكهة. وقيل: أراد به التنبيه بالأدنى على الأعلى، فإذا كانت الفاكهة حاضرة أبدا كان الطعام أولى بالحضور.

<<  <  ج: ص:  >  >>