قال جار الله: الاستثناء في قوله إِلَّا عِبادَ اللَّهِ منقطع معناه إنهم لمحضرون ولكن المخلصين ناجون وما بينهما اعتراض دال على التنزيه. وجوّز أن يكون الاستثناء من الضمير في يَصِفُونَ أي يصفه هؤلاء بذلك، ولكن أهل الإخلاص مبرؤن من وصفه بما لا ينبغي.
وحين بين المذاهب الفاسدة بقضها بيّن أن أهل الشرك ومعبوديهم ليس لهم أن يفتنوا على الله أي يحملوا غيرهم على سلوك سبيل الفتنة والضلال إلا من سبق في علم الله بأنه من أهل النار. وقالت المعتزلة: إلا من سبق في علمه أنهم بسوء أعمالهم يستوجبون أن يصلوها.
وجوز جار الله أن تكون الواو في وَما تَعْبُدُونَ بمعنى «مع» وجاز السكوت على تَعْبُدُونَ كما في قولهم «كل رجل وضيعته» . ثم قال ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ أي على ما تعبدون بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ مثلكم. وقال: والوجه في نظم هذه الآيات أن يكون قوله سُبْحانَ اللَّهِ إلى قوله الْمُسَبِّحُونَ من كلام الملائكة والمعنى: ولقد علمت الملائكة وشهدوا أن المشركين مفترون عليهم في مناسبة رب العزة وقالوا: سبحان الله، فنزهوه عن ذلك واستثنوا عباده المخلصين. وقالوا للكفرة: فإذا صح ذلك فإنكم وآلهتكم لا تقدرون أن تفتنوا على الله أحدا من خلقه إلا من كان مثلكم ممن علم الله عز وجل لكفرهم أنهم أهل النار. وكيف نكون مناسبين لرب العزة وما نحن إلا عبيد أذلاء بين يديه لكل منا مقام من الطاعة لا يستطيع أن يتجاوزه ونحن الصافون كما مر في أول السورة ونحن المسبحون وقال في التفسير الكبير: هاتان الجملتان تدلان على الحصر، وفيه إشارة إلى أن طاعة البشر كالعدم بالنسبة إلى طاعة الملك فكيف يجوز أن يقال: البشر تقرب درجتهم من درجة الملك فضلا عن دعوى الأفضلية؟ قلت: لا شك أن هذا التركيب يفيد الحصر إلا أنه لم يفرق بين قصر الأول على الثاني كما في الآية وبين عكسه، والذي يفيد مدعاه هو العكس لا الأصل فافهم. وقيل: هذه الآيات من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وما من المسلمين أحد إلا له مقام معلوم يوم القيامة على قدر عمله. ثم ذكر أعمالهم وأنهم الذين يصطفون في الصلاة ويسبحون الله وينزهونه. ثم حكى أن مشركي قريش كانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً أي كتابا من جملة كتب الأوّلين أي نظيرها في بيان الشرائع والتكاليف لأخلصنا العبادة لله. وإن مخففة واللام فارقة فَكَفَرُوا بِهِ الفاء للربط أي فجاءهم الذكر الذي هو سيد الأذكار فكفروا به فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وخامة عاقبة التكذيب. وقيل: أرادوا لو علمنا حال آبائنا وما آل إليه أمرهم وكان ذلك كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم لآمنا به وأخلصنا لكنا على شك من حديثه. ثم بين أن رسل الله وجنده منصورون غالبون عاجلا وآجلا، والأول أكثريّ والثاني تحقيق يقيني. ثم أمر نبيه بالصفح والإغماض إلى أوان النصرة والغلبة قائلا فَتَوَلَّ عَنْهُمْ أي أعرض عن أذاهم إلى حين الأمر بالقتال أو إلى يوم بدر. عن السدي: أو إلى الموت والقيامة.