وَأَبْصِرْهُمْ وما يقضى عليهم من الأسر والقتل في الدنيا والعذاب في الآخرة فسوف يبصرونك وما يؤل إليه أمرك من النصر والثواب في الدارين. وفي هذا الأمر تنفيس عن النبي صلى الله عليه وسلم وتسلية له كأن الحالة الموعودة قدام عينيه قربا وتحققا. وفَسَوْفَ في الموضعين للوعيد لا للتبعيد وكأنهم فهموا التسويف فاستعجلوا العذاب فوبخوا عليه. وكان من عادة العرب أن يغيروا صباحا فسميت الغارة صباحا وإن وقعت في وقت آخر، وشبه نزول العذاب بساحتهم بعد ما أنذروه بجيش أنذر بعض النصحاء بهجومه قومه فلم يلتفتوا إلى إنذاره ولا أخذوا أهبتهم حتى أناخ بفنائهم بغتة فشنّ الغارة عليهم. قيل: نزلت في فتح مكة.
وعن أنس: لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وكانوا خارجين إلى مزارعهم ومعهم المساحي قالوا: محمد والخميس. ورجعوا إلى حصنهم فقال صلى الله عليه وسلم: الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين
أي صباحهم، فحذف المخصوص بالذم. واللام في الْمُنْذَرِينَ للجنس. وإنما ثنى وتول عنهم ليكون تسلية على تسلية. والأول لعذاب الدنيا والثاني للآخرة، وأطلق الفعل الثاني أيضا اكتفاء بالأول وليفيد فائدة زائدة وهي أنه يبصر وهم يبصرون ما لا يحيط به الوصف من صنوف المسرة وفنون المساءة. واعلم أن السورة اشتملت على ما قاله المشركون في الله وعلى ما عانى المرسلون من جهتهم وعلى ما يؤل إليه عاقبة الرسل وحزب الله من موجبات الحمد فلا جرم ختمها بكلمات جامعة لتلك المعاني. ومعنى رَبِّ الْعِزَّةِ كقوله قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران: ٢٦] والمراد ذي العزة لأنها صفته لا مربوبه. عن ابن عباس أنه سمع رجلا يقول: اللهم رب القرآن فأنكر عليه وقال: القرآن ليس بمربوب ولكن كلام الله. والظاهر أن قوله عَمَّا يَصِفُونَ يتعلق ب سُبْحانَ كما في قوله سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ وقل: متعلق بالعزة أي امتنع عما يصفونه به وقد مر شيء من تحقيق هذه الحالة في آخر سورة يس. قال بعضهم: إنما لم يقل في آخر قصتي لوط ويونس سلام عليهما اكتفاء بقوله في الخاتمة وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ
عن علي رضي الله عنه: من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلس سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ إلى آخر السورة.