للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسبحت فذلك حشرها وقد مر ذكر هذه المعجزة في «الأنبياء» وفي «سبأ» . قال أهل البيان:

قوله مَحْشُورَةً في مقابلة قوله يُسَبِّحْنَ ولكنه اختير الفعل في أحد الموضعين والاسم في الآخر لأنه أريد في الأول الدلالة على حدوث التسبيح من الجبال شيئا بعد شيء وحالا بعد حال حتى كأن السامع يتصوّرها بتلك الحالة، وأما الحاشر فهو الله وحشر الطيور جملة واحدة أدل على القدرة له تعالى. سابعها قوله كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ أي كل واحد من الجبال والطير لأجل تسبيح داود مسبح مرجع للتسبيح. وقيل: الضمير لله أي كل من داود والجبال والطير لله مسبح رجاع إلى فعله مرة بعد مرة، وهذا الوصف كالتأكيد للوصف الذي يتقدّمه وهذا أخص لأنه أدل على الواقعة. ثامنها قوله وَشَدَدْنا مُلْكَهُ أي قوّيناه بالجنود والأعوان وبسائر الأسباب فكان يحرس محرابه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألف حرس، وزاد بعضهم فقال أربعون ألفا. وقيل: نصرناه بالهيبة، وسببه

أن غلاما ادّعى على رجل بقرة فأنكر المدّعى عليه ولطم الغلام لطمة فسأل داود من الغلام البينة فعجز فرأى داود في المنام أن الله تعالى يأمره أن يقتل المدعى عليه ويسلم البقرة إلى الغلام. فقال داود: هذا منام فأتاه الوحي بذلك في اليقظة فأخبر بذلك بني إسرائيل فجزعوا وقالوا: أتقتل رجلا بلطمة؟ فقال داود:

هذا أمر الله فسكتوا. ثم أحضر الرجل وأخبره إن الله أمره بقتله فقال الرجل: صدقت يا نبيّ الله إني قتلت أباه غيلة وأخذت البقرة، فقتله داود وعظمت هيبته واشتدّ ملكه وقالوا: إنه يقضي بالوحي من السماء.

تاسعها قوله وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وقد مر معناها مرارا وأنها منحصرة في قسمين: الأول العلم بالتصوّرات الحقيقية والتصديقات اليقينية بمقتضى الطاقة البشرية، والثاني العمل بالأخلاق الفاضلة المفضية إلى السعادة الباقية. وخصصها بعضهم بالعلم بالنبوّة والفهم أو بالزبور والشرائع. عاشرها فصل الخطاب وهو القدرة على ضبط المعاني والتعبير عنها بأقصى الغايات حتى يكون كاملا مكملا فهما مفهما.

قال جار الله: الفصل بمعنى المفصول ومعناه البين من الكلام الملخص الذي لا يلتبس ولا يختلط بغيره. قلت: ومن ذلك أن لا يخطىء صاحبه مظان الفصل والوصل كما نذكره في الوقوف.

وعن عليّ رضي الله عنه أنه قال: البينة على المدّعي واليمين على من أنكر.

فالفصل بمعنى الفاصل كالصوم والصحب ويندرج فيه جميع كلامه في الأقضية والحكومات وتدابير الملك والمشورات.

يروى أنه سبحانه علق لأجله سلسلة من السماء وأمره أن يقضي بها بين الناس، فمن كان على الحق يأخذ السلسلة، ومن كان على الباطل لا يقدر على أخذها. ثم إن رجلا غصب من آخر لؤلؤة وجعلها في جوف عصا له ثم خاصمه المدّعي إلى داود فقال المدعي: إن هذا أخذ مني لؤلؤة ولم يردّها عليّ وإني صادق

<<  <  ج: ص:  >  >>