المخاطبة فكان تكلمه أبين وبطشه أشدّ قالَ داود لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ أضاف المصدر إلى المفعول الثاني وحذف الفاعل والمفعول الأوّل أي بسؤاله إياك نعجتك. وليس السؤال هاهنا سؤال خضوع وتفضل وإنما هو سؤال مطالبة ومعازة. وإِلى متعلقة بفعل دل عليه السؤال تقديره بسؤال أي ليضمها إلى نعاجه، أو ضمن السؤال معنى الإضافة كأنه قيل:
بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه الطلب وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ الشركاء الذين خلطوا أموالهم واطلع بسبب ذلك بعضهم على أحوال البعض لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ وقد تغلب الخلطة في الماشية. والشافعي يعتبرها في باب الزكاة إذا اتحد الفحل والراعي والمراح والمسقى وموضع الحلب، فإن كانت للخليطين أربعون شاة فعليهما شاة. وعند أبي حنيفة لا شيء عليهما وإن كانت لأحدهما واحدة وللآخر تسع وتسعون فعلى الأوّل أداء جزء من مائة جزء من شاة واحدة وعلى الآخر الباقي. هذا عند الشافعي، وعند أبي حنيفة لا شيء على ذي النعجة. ثم بين أن أكثر الخلطاء موسوم بسمة الظلم إلا المؤمنين وإنهم لقليل. «وما» في قوله وَقَلِيلٌ ما هُمْ مزيدة للإبهام، وفيه تعجيب من قلتهم. وقال ابن عيسى: هي موصولة أي وقليل الذين هم كذلك. قصد نبيّ الله بذكر حال الخطاء في هذا المقام الموعظة الحسنة والترغيب في اختيار عادة الخلطاء الصلحاء لا التي عليها أكثرهم من الظلم والاعتداء، وفيه تسلية للمظلوم عما جرى عليه من خليطه وإن له في أكثر الخلطاء أسوة وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ أي ابتليناه وذلك أن القوم لما دخلوا عليه قاصدين قتله وإنه كان سلطانا شديد القوّة وقد فزع منهم. ثم إنه مع ذلك عفا عنهم دخل قلبه شيء من العجب فحمله على الابتلاء فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ
من تلك الحالة وَأَنابَ إلى الله واعترف بأن إقدامه على تلك الخلة لم يكن إلا بتوفيق الله. فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ الخاطر أو لعله هم بإيذاء القوم.
ثم تذكر أنه لم يدل دليل قاطع على أن هؤلاء قصدوا الشر فعفا عنهم، ثم استغفر من تلك الهمة. أو لعل القوم تابوا إلى الله وطلبوا منه أن يستغفر الله لهم فاستغفر لأجلهم متضرعا إلى الله فغفر ذنبهم بسبب شفاعته ودعائه. وَمعنى خَرَّ راكِعاً سقط ساجدا. قال الحسن: لأنه لا يكون ساجدا حتى يركع، أو المراد أن خرّ للسجود مصليا لأن الركوع قد يعبر به عن الصلاة. ومذهب الشافعي أن هذا الموضع ليس فيه سجدة التلاوة لأنه توبة نبيّ فلا توجب على غيره سجدة التلاوة ولا تستحب أيضا. ومذهب أبي حنيفة بخلافه. وجوز مع ذلك أن يكون الركوع بدل السجود هذا تمام تقرير القول الأوّل. ولا يرد عليه إلا أن داود كان أرفع منزلة من أن يتسور عليه بعض آحاد الرعية في حال تعبده أو يتجاسر عليه بقوله لا تَخَفْ وَلا تُشْطِطْ وأنه كيف سارع إلى تصديق أحد الخصمين على ظلم الآخر قبل