وأقول: لا بأس أن يعطف قوله أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ على نُرِيَنَّكَ ويكون الرجوع إلى الله جزاء لهما جميعا ومعناه: إنا نجازيهم على أعمالهم يوم القيامة سواء عذبوا في الدنيا أو لم يعذبوا. ثم سلاه بحال الأنبياء السابقة ليقتدي بهم في الصبر والتماسك فقال وَلَقَدْ أَرْسَلْنا الآية. ذهب بعض المفسرين إلى أن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا.
وقيل: ثمانية آلاف، نصف ذلك من بني إسرائيل والباقي من سائر الناس. ولعل الأصح أن عددهم لا يعلمه الا الله لقوله تعالى أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ [إبراهيم: ٩] لكن الإيمان بالجميع واجب.
عن علي رضى الله عنه: بعث الله نبيا أسود لم يقص علينا قصته.
ثم إن قريشا كانوا يقترحون آيات تعنتا كما مر في أواخر «سبحان» وأول «الفرقان» وغيرهما فلا جرم قال الله تعالى وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ بعذاب الدنيا أو بالقيامة. وقال ابن بحر:
أمر الله الآية التي اقترحوها وذلك أنه يقع الاضطرار عندها وَخَسِرَ هُنالِكَ أي في ذلك الوقت استعير المكان للزمان الْمُبْطِلُونَ وهم أهل الأديان الباطلة. ثم عاد إلى نوع آخر من دلائل التوحيد قائلا اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا قال جار الله: ظاهر النظم يقتضي إدخال لام الغرض في القرائن الأربع أو خلو الكل عنها فيقال: لتركبوا ولتأكلوا ولتصلوا إلى منافع ولتبلغوا. أو يقال: منها تركبون ومنها تأكلون وتصلون وتبلغون إلا أنه ورد على ما ورد لأن الركوب قد يجب كما في الحج والغزو، وكذلك السفر من بلد إلى بلد لهجرة أو طلب علم لا أقل من الندب فصح أن يكونا غرضين. وأما الأكل وإصابة المنافع فمن جنس المباح الذي لا تتعلق به إرادته كثير تعلق شرعا. وإنما قال عَلَى الْفُلْكِ ولم يقل «وفي الفلك» مع صحته إذ هي كالوعاء إزدواجا لقوله عَلَيْها
[المؤمنون: ٢٢] والحمل محمول على الظاهر. وقيل: هو من قول العرب: حملت فلانا على الفرس إذا وهب له فرسا. ثم وبخهم بقوله يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ.
ثم حرضهم وزاد توبيخهم بقوله أَفَلَمْ يَسِيرُوا الآية. وقد سبق. وقوله فَما أَغْنى عَنْهُمْ «ما» نافية أو استفهامية ومحلها النصب. وقوله ما كانُوا مصدرية أو موصولة أي كسبهم أو الذي كسبوا. قوله فَرِحُوا لا يخلو إما أن يكون الضمير عائدا إلى الكفار أو إلى الرسل. وعلى الأول فيه وجوه منها: أنه تهكم بعلمهم الذي يزعمون كقولهم وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً [الكهف: ٣٦] اإذا كنا ترابا وعظاما اانا لفي خلق جديد [ق: ٤] ومنها أنه أراد بذلك شبهات الدهرية وبعض الفلاسفة كقولهم وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: ٢٤] وكانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وحقروا علم الأنبياء بالنسبة إلى علمهم