كما يحكى عن سقراط أنه سمع بموسى عليه السلام فقيل له: لو هاجرت إليه؟ فقال: نحن قوم مهديون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا. ويروى أن جالينوس قال لعيسى عليه السلام:
بعثت لغيرنا. ومنها أن يراد علمهم بظاهر المعاش كقوله يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا [الروم: ٧] وذلك مبلغهم من العلم فرحوا به وأعرضوا عن علم الديانات. وعلى الثاني يكون معناه أن الرسل لما رأوا جهل قومهم وسوء عاقبتهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم. ووجه آخر وهو أن يكون ضمير فَرِحُوا للكفار وضمير عِنْدَهُمْ للرسل أي فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك واستهزاء. ثم بين أن إيمان البأس وهو حالة عيان العذاب أو أمارات نزول سلطان الموت غير نافع وقد مر مرارا. ومعنى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ لم يصح ولم يستقم لأن الإلجاء ينافي التكليف. وترادف الفاءات في قوله فَما أَغْنى فَلَمَّا جاءَتْهُمْ فَلَمَّا رَأَوْا فَلَمْ يَكُ لترتيب الأخبار ولتعاقب المعاني من غير تراخ. وقال جار الله: فما أغنى نتيجة قوله كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وقوله فَلَمَّا جاءَتْهُمْ جار مجرى البيان والتفسير لقوله فلما أغنى وقوله فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا تابع لقوله فَلَمَّا جاءَتْهُمْ كأنه قال: فكفروا كقولك: رزق زيد المال فمنع المعروف فلم يحسن إلى الفقراء. وقوله فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا آمنوا وكذلك فَلَمْ يَكُ تابع لإيمانهم بعد البأس. قال أهل البرهان: وإنما قال هاهنا وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ وفيما قبل الْمُبْطِلُونَ لأنه قال هناك قُضِيَ بِالْحَقِّ ونقيض الحق الباطل، وهاهنا ذكر أن إيمان البأس غير مجد ونقيضه الكفر والله أعلم.