لما حكى بعض قبائح المشركين وسائر الكفرة أراد أن يورد دليلا على التوحيد فأمر رسوله أن يوبخهم بقوله أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي سمعتم ممن تصدّقونهم من أهل الكتاب غيركم أنه خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً عمم الكفر أوّلا ثم خصص بنوع الشرك وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ ومعنى مِنْ فَوْقِها أي بالنسبة إلى سكان المعمورة تذكيرا لنعمة فوق نعمة فإن الجبال منافعها أكثر من أن تحصى يعرف بعضها أهلها ولعلنا قد عددنا في أوّل «البقرة» طرفا منها. وَبارَكَ فِيها بوضع الخيرات الكثيرة فيها. قال ابن عباس:
يريد شق الأنهار وخلق الجبال والأشجار والحيوانات وكل ما يحتاج إليه وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها عن مجاهد: يعني المطر فإنه بمنزلة الغذاء للأرض به حياتها. وعن محمد بن كعب: أراد أقوات أهلها ومعايشهم وما يصلحهم. وقيل: لا حاجة إلى الإضمار فإن الإضافة تحسن لأدنى ملابسة أي وقدر فيها أقواتها التي يختص حدوثها بها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يعني مع اليومين الأوّلين فيكون إيجاد نفس الأرض في يومين وإيجاد هذه الأشياء في يومين آخرين والمجموع أربعة أيام وخلق السماء في تتمة ستة فتكون هذه الآية موافقة لسائر الآيات، وقد سبق هذا المعنى في أوّل سورة البقرة. من قرأ سَواءً بالرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو سواء. ثم إن كان الضمير للأربعة فمعناه أن تلك الأيام مستوية في الطول والقصر كأيام خط الاستواء، أو هي تامة غير ناقصة بشيء فقد يطلق لفظ الكل على الأكثر، وهذه إحدى فوائد العدول عن العبارة الصريحة وهي أن لو قال في يومين آخرين. وقال بعضهم: من فوائده أنه لا يجوز عطف قوله وَجَعَلَ على خَلَقَ لأن قوله وَتَجْعَلُونَ معطوف على لَتَكْفُرُونَ ولا يجوز أن يحال بين صلة الموصول وما يعطف عليه بأجنبي لا يقال: جاءني الذي يكتب وجلس ويقرأ فلا بدّ من إضمار فعل مثل الأول فتقدير الكلام: ذلك أن رب العالمين خلق الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام، وهو كلام لا يرد عليه سؤال أصلا. ومن قرأ بالجر فعلى وصف الأربعة بالاستواء والمعنى كما مر. ومن قرأ بالنصب فعلى المصدر أي استوت استواء. ثم إن كان الضمير للأربعة فالمعنى كما قلنا، وإن كان للأقوات. وكذا في قراءة الرفع احتمل أن يكون لِلسَّائِلِينَ متعلقا به أي الأقوات والأرزاق سواء لمن سأل ولمن لم يسأل لما
روى عن ابن عباس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا رديفه يقول: خلق الله الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة، وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة سواء لمن سأل ولمن لم يسأل، وأنا من الذين لم يسألوا الله الرزق، ومن سأل فهو جهل منه.