للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرباني. قوله فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا الآية. للمفسرين فيه قولان: الأول إجراء الكلام على ظاهره فإنه ليس بمستبعد من الله إنطاق أيّ جسم فرض بل إيداع الحياة والفهم فيه ولهذا قال طائِعِينَ على لفظ جمع المذكر السالم، فإن جمع المؤنث السالم لا يختص بالعقلاء. ووجه الجمع أن أقل الجمع اثنان أو لأن كل واحد منهما سبع. ومن هؤلاء من قال: نطق من الأرض موضع الكعبة، ومن السماء ما بحذائها، فجعل الله لها حرمة على سائر الأرض. وعلى هذا القول لا بد أن يكون هذا التخاطب بعد الوجود فقالوا: معناه ائتيا بما خلقت فيكما أما أنت يا سماء فأطلعي الشمس والقمر والنجوم، وأما أنت يا أرض فاخرجي ما خلقت فيك من النبات فقالتا: جئنا بما أحدثت فينا مستجيبين لأمرك. ومعنى الإتيان الحصول والوقوع كما يقال: أتى عمله مرضيا. ويجوز أن يراد لتأت كل منكما صاحبتها الإتيان الذي تقتضيه الحكمة من كون الأرض قرارا والسماء سقفا لها. وقوله طَوْعاً أَوْ كَرْهاً إظهار لكمال القدرة والتقدير أبيتما أو شئتما كما يقول الجبار لمن تحت يده: لتفعلن هذا شئت أو أبيت، وانتصابهما على الحال بمعنى طائعين أو كارهين. والقول الثاني أن هذا تمثيل لنفوذ قدرته فيهما ولا قول ثمة، وعلى هذا لا يبعد أن يكون المقصود إيجادهما على وفق إرادته وهما في حيز العدم، وأن يكون المراد ما تقدم. وقال بعضهم:

الطوع يرجع إلى السماء لأن أحوالها على نهج واحد لا يختلف. وشبه مكلف مطيع والكره يعود إلى الأرض لأنها مكان تغيير الأحوال ومحل الحوادث والمكاره. قلت: لعل هذين الوصفين لهما باعتبار سكانهما. قوله فَقَضاهُنَّ قضاء الشيء إتمامه والفراغ منه مع الإتقان. والضمير إما راجع إلى السماء على المعنى لأنها سموات سبع. وانتصب سَبْعَ سَماواتٍ على الحال. وإما مبهم مميز بما بعده.

يروى أنه خلق الأرض في يوم الأحد والاثنين، وخلق سائر ما في الأرض في يوم الثلاثاء والأربعاء، وخلق السموات وما فيها في يوم الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة، فخلق فيها آدم وأسكنه الجنة وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة.

وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها أي أمر أهلها من العبادة والتكليف الخاص بكل منهم، فبعضهم وقوف وبعضهم ركوع وبعضهم سجود، وعلى هذا احتمل أن يكون خلق الملائكة مع السموات وقبلها. وقيل: الإيحاء هاهنا التكوين والإيجاد وأمرها شأنها وما يصلحها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ أي بالنيرات المضيئة كالمصباح وَحَفِظْناها حفظا من الشياطين المسترقة للسمع كما مرّ مرارا. وجوّز جار الله أن يكون حِفْظاً مفعولا له على المعنى كأنه قال: وخلقنا المصابيح زينة وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ فلكمال عزته قدر على خلق ما خلق ولشمول علمه دبر ما دبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>