وإنطاقكم في المرة الأولى في الدنيا، ثم خلقكم وإنطاقكم مرة أخرى، وثالثة في القبر وفي القيامة، كيف يستبعد منه إنطاق الجوارح والأعضاء؟ وقد مر تمام البحث في «يس» .
عن ابن مسعود قال: كنت مستترا بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر ثقفيان وقرشيّ فقال أحدهم:
أترون الله يسمع ما نقول؟ فقال آخر: إذا رفعنا أصواتنا يسمع وإلا لم يسمع. وقال الآخر:
إن كان يسمع إذا رفعنا أصواتنا يسمع إذا خفضنا. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ الآية.
وذلك أنهم كانوا يستترون بالحيطان والحجب عند ارتكاب القبائح فقيل لهم: ما كان استتاركم ذلك خفية أن تشهد عليكم جوارحكم هذه، لأن ذلك غير ممكن فإنها متصلة بكم وهي أعوانكم ومع ذلك لم يكن استتاركم في اعتقادكم أنها تشهد عليكم ولكنكم استترتم لظنكم أن الله لا يعلم كثيرا مما كنتم تعملون وهو الخفيات من أعمالكم.
وفيه ردّ على بعض الجهلة الذين يستخفون من الناس ولا يمكنهم الاستخفاء من الله، وفيه تنبيه على أن المؤمن يجب عليه أن يكون في أوقات خلواته أهيب لربه وأوفر احتشاما ومراقبة. ثم أخبر فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ ولا ينتج الصبر لهم فرجا وخلاصا وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا يطلبوا من الله الرضا عنهم فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ أي من المرضيين. والمراد أنهم باقون في مكروههم أبدا، سكتوا أو نطقوا. قال الضعيف مؤلف الكتاب: إذا كان هذا وعيد من ظن أنه يمكن إخفاء بعض الأعمال من الله بالأستار والحجب فما ظنكم بوعيد من جزم أنه سبحانه غير عالم بالجزئيات نعوذ بالله من هذا الاعتقاد والله أعلم.
تم الجزء الرابع والعشرون ويليه الجزء الخامس والعشرون أوله: وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ ...