للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى هاهنا حكى شبهة القوم وهي زعمهم أنه مفترى وليس بوحي فقال أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى قال جار الله: «أم» منقطعة، ومعنى الهمزة فيه التوبيخ كأنه قيل: أيتمالكون أن ينسبوا مثله إلى أعظم أنواع الفرية وهو الافتراء على الله، ثم أجابهم بقوله فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ أي يجعلك من المختوم على قلوبهم فإنه لا يجترىء على افتراء الكذب على الله إلا من كان في مثل حالهم. والغرض المبالغة في استبعاد الافتراء من مثله والتعريض بأن من ينسبه إلى الافتراء فهو مختوم على قلبه. وقيل: لأنساك ما أتاك من القرآن ولكنه لم يشأ فأثبته فيه، وقيل: لأماتك فإن قلب الميت كالمختوم عليه ومثله لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة: ٤٦] قاله قتادة. وقال مجاهد ومقاتل: يربط على قلبك بالصبر على أذاهم فلا يدخل قلبك حزن مما قالوه. ثم استأنف فقال وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ أي من عادته ذلك فلو كان محمد صلى الله عليه وسلم مبطلا لفضحه وكشف عن باطله، وحذف الواو من الخط لا للجزم كما في قوله وَيَدْعُ الْإِنْسانُ [الإسراء: ١١] سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [العلق: ١٨] وفي تفسير الجبائي أن الواو حذف للجزم، والمعنى إن افتريت ختم على قلبك ومحا الباطل المفترى، فالاستئناف على هذا من قوله وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ [يونس: ٨٢] أي يثبت ما هو الحق في نفسه بوحيه أو بقضائه. ويجوز أن يكون وعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت والتكذيب ويظهر الحق الذي أنت عليه وهو القرآن بحكمه السابق وبعلمه القديم إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فيجازي المبطل والمحق على حسب حاليهما وحين وبخهم على البهت والتكذيب ندبهم إلى التوبة وعرفهم أنه يقبلها من كل مسيء والآية واضحة مما سلف تارات ولا سيما في أوائل البقرة في توبة آدم. أما الضمير في قوله وَيَسْتَجِيبُ فعائد إلى الله سبحانه وأصله ويستجيب لهم فحذف الجار، والمراد أنه إذا دعوه استجاب لهم وأعطاهم ما طلبوا وزادهم على مطلوبهم تفضلا. وقيل: لا ضمير فيه وإنما الظاهر بعده فاعله. قال سعيد بن جبير: أراد أن المؤمنين يجيبونه إذا دعاهم. وعن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه أنه قيل: ما بالنا ندعو فلا نجاب؟ قال: لأنه دعاكم فلم تجيبوه وقرأ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا [يونس: ٢٥] وحيث وعد الاستجابة للمؤمنين كان لسائل أن يقول: إنا نرى المؤمن في شدة وبلية وفقر ثم إنه يدعو الله فلا يشاهد أثر الإجابة فلا جرم قال وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ أي ظلم بعضهم بعضا وعصوا الله. وهذه ليست بقضية كلية دائمة ولكنها أكثرية، فإن المال معين قوي على تحصيل المطالب ودفع ما لا يلائم النفس، وإذا كانت الآلة موجودة وداعية الشر في طبع الإنسان مجبولة فقلما لا يقع مقتضاه في الخارج وأيضا إن أكثر الناس إنما يخدم مثله ويتسخره طمعا في ماله أو جاهه التابع للمال غالبا، فلو تساويا

<<  <  ج: ص:  >  >>