للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المال استنكف كل منهما من الانقياد لصاحبه فارتفعت رابطة التعاون وانقطعت سلسلة التمدن، وقيل: إن الآية نزلت في العرب كانوا إذا أخصبوا تحاربوا وأغار بعضهم على بعض ولبعضهم شعر

قوم إذا نبت الربيع بأرضهم ... نبتت عداوتهم مع البقل

وقال محمد بن جرير: نزلت في أصحاب الصفة تمنوا سعة الرزق والغنى. وقوله بِقَدَرٍ أي على قدر المصلحة ووفق حال الشخص كقوله وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر:

٢١] وحين بين أن حكمته اقتضت عدم توسيع الرزق على كل الخلق أراد أن يبين أنه لا يترك ما يحتاجون إليه وإن بلغ أمرهم إلى حد اليأس والقنوط فقال وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ الآية. ونشر الرحمة عموم المطر الأرض أو هي عامة في كل رحمة سوى المطر وَهُوَ الْوَلِيُّ الذي يتولى أمور عباده الْحَمِيدُ على كل ما يفعله. ولا ريب أن هذه من جملة دلائل القدرة فلذلك عطف عليها قوله وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ومحل قوله وَما بَثَّ إما مجرور عطفا على السموات أو مرفوع عطفا على خلق. وإنما قال فِيهِما مِنْ دابَّةٍ مع أن الدواب في الأرض وحدها لأن الشيء قد ينسب إلى جميع المذكور وإن كان متلبسا ببعضه كما يقال: «بنو فلان فعلوا كذا» ولعله قد فعله واحد منهم فقط. ويجوز أن يكون للملائكة مع الطيران مشى فيتصفوا بالدبيب كالإنسان، أو يكون في السموات أنواع أخر من الخلائق يدبون كما يدب الحيوان في الأرض. وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ أي إحيائهم بعد الموت إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ وإذا يدخل على الماضي ومعنى الاستقبال في يَشاءُ يعود إلى تعلق المشيئة لا إلى نفس المشيئة القديمة. ثم بين حال المكلفين وأن ما يصيبهم من ألم ومكروه وبلاء فهو عقوبة للمعاصي التي اكتسبوها، وأن الله يعفو عن كثير من الذنوب أو الناس فلا يعاجلهم بالعقوبة رحمة أو استدراجا. قال الحسن: أراد إقامة الحدود على المعاصي وأنه لم يجعل لبعض الذنوب حدا. وقيل: إن هذه في يوم القيامة فإن الدنيا دار تكليف لا دار جزاء. ولقائل أن يقول: كون الجزاء الأوفى على الإثم مخصوصا بالقيامة لا ينافي وصول بعض الجزاء إلى المكلف في الدنيا، ولهذا

قال علي رضي الله عنه: هذه أرجى آية للمؤمنين في كتاب الله.

وذلك أنه تعالى قسم ذنوب المؤمنين صنفين: صنف يكفره عنهم بالمصائب، وصنف يعفو وهو كريم لا يرجع في عفوه، نعم لو عكست القضية وقيل ما كسبت أيديكم فإنه يصيبكم به ألم وعذاب في الدنيا لكان هذا منافيا لكون الجزاء في الآخرة ولحصول العفو أيضا.

روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فقال: ما عفا الله عنه.

فهو أعز وأكرم من

<<  <  ج: ص:  >  >>