أنواع الاستقامة كان هو الشفقة على خلق الله ولا سيما على الوالدين فلذلك قال وَوَصَّيْنَا الآية. وقد مرّ في «الروم» و «لقمان» . والكره بالضم، والفتح المشقة أي ذات كره أو حملا ذاكره. والفصل والفصال كالفطم والفطام بناء ومعنى، والمقصود بيان مدّة الرضاع. ولما كان منتهيا بالفصال صح التعبير عن آخر الرضاع بالفصال، والفائدة فيه الدلالة على الرضاع التام المنتهي بالفصال. وقد يستدل من هذه الآية ومن قوله وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ [البقرة: ٢٣٣] أن مدة الحمل ستة أشهر.
وعن عمر أن امرأة ولدت لستة أشهر فرفعت إليه فأمر برجمها، فأخبر عليا رضى الله عنه بذلك فمنعه محتجا بالآية فصدّقه عمر وقال: لولا علىّ لهلك عمر.
قال جالينوس: إني كنت شديد الفحص عن مقادير أزمنة الحمل فرأيت امرأة ولدت في المائة والأربع والثمانين ليلة. وزعم أبو علي بن سينا أنه شاهد ذلك. وذكر أهل التجارب قاعدة كلية قالوا: إن لتكوّن الجنين زمانا مقدّرا، فإذا تضاعف ذلك الزمان تحرك الجنين، ثم إذا انضاف إلى المجموع مثلاه انفصل الجنين. وعلى هذا فلو تمت خلقة الجنين في ثلاثين يوما فإذا أتى عليه مثل ذلك أي تصير مدة علوقه ستين تحرك، فإذا انضاف إلى هذا المقدار مثلاه وهو مائة وعشرون وصار المبلغ مائة وثمانين انفصل، ولو تمت خلقته في خمسة وثلاثين يوما تحرك في سبعين وانفصل في مائتين وعشرة وهو سبعة أشهر، ولو تمت خلقته في أربعين تحرك في ثمانين وانفصل في مائتين وأربعين وهو ثمانية أشهر، وقلما يعيش هذا المولود إلا في بلاد معينة مثل مصر، وقد مرّ هذا المعنى في هذا الكتاب. ولو تمت في خمسة وأربعين تحرك في تسعين وانفصل في مائتين وسبعين وهي تسعة أشهر وهو الأكثر، أما أكثر مدّة الحمل فليس يعرف له دليل من القرآن. وذكر أبو علي بن سينا في كتاب الحيوان من الشفاء في الفصل السادس من المقالة التاسعة، أن امرأة ولدت بعد الرابع من سني الحمل ولدا قد نبتت أسنانه وعاش. وعن أرسطاطاليس أن زمان الولادة لكل الحيوان مضبوط سوى الإنسان. هذا وقد روى الواحدي في البسيط عن عكرمة أنه قال: إذا حملت تسعة أشهر أرضعته أحدا وعشرين شهرا. وعلى هذا قوله حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ أكثر المفسرين كما مر في آخر «الأنعام» وأوّل «يوسف» و «القصص» . على أن وقت الأشد هو زمان الوصول إلى آخر سن النشوء والنماء وهو ثلاث وثلاثون سنة تقريبا، وإن في الأربعين يتم الشباب وتأخذ القوى الطبيعية والحيوانية في الانتفاص، والقوّة العقلية والنطقية في الاستكمال، وهذا أحد ما يدل على أن النفس غير البدن ومن جملة الكمال أنه حينئذ يقول رَبِّ أَوْزِعْنِي أي ألهمني ووفقني كما مر في «النمل» .