قال علماء المعاني: قوله فِي ذُرِّيَّتِي كقوله «يجرح في عراقيبها نصلي» فكأنه سأل أن يجعل ذرّيته موقعا للصلاح ومظنة له. وقوله أَحْسَنَ ما عَمِلُوا إما بمعنى الحسن أو المراد الواجب والندب دون المباح. وقوله فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ في موضع الحال أي معدودين فيهم. عن ابن عباس وجم غفير من المفسرين أن الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق، وفيه أبيه أبي قحافة وأمه أم الخير، وفي أولاده واستجابة دعائه فيهم، ولم يكن أحد من الصحابة المهاجرين والأنصار أسلم هو ووالده وبنوه وبناته غير أبي بكر. قالوا:
ومما يؤيد هذا القول أنه سبحانه حكى عن ذلك الإنسان أنه قال بعد أربعين سنة رب أوزعني إلخ. ومعلوم أنه ليس كل إنسان قد يقول هذا القول. والأظهر أن هذا عام لهذا الجنس، وأن الإنسان قد يقول هذا القول ولا أقل من أن يكون واردا على طريقة الإرشاد والتعليم. سلمنا ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله وَالَّذِي قالَ مبتدأ خبره أُولئِكَ والمراد بالذي جنس القائل فلذلك أورد الخبر مجموعا. ويجوز أن يكون الخبر عاما في القائل وفي أمثاله فيندرج فيه القائل. وقيل: تقديره واذكر الذي ومن القائل. عن الحسن وقتادة: هو الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث. وذهب السدّي إلى أن الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه وأنه كان يقول لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما وهي كلمة تضجر وتبرم كما مر في «سبحان» و «الأنبياء» أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ من القبر وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي فلم يرجع أحدهم وَهُما
يعني أبويه يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ أي بالله فحذف الجار وأوصل الفعل والمراد يسألانه أن يوقفه للإيمان ويقولان له وَيْلَكَ آمِنْ بالله وبالبعث. والمراد بالدعاء عليه الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك.
قال السدّي: فاستجاب الله دعوة أبي بكر فيه فأسلم وحسن إسلامه ولما أسلم نزل فيه وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وأكثر المفسرين ينكرون هذا القول لأنه سبحانه قال فيه أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ كائنين فِي أُمَمٍ إلى آخره. وأن عبد الرحمن لم يبق كافرا بل كان من سادات المسلمين. وروي عن عائشة إنكاره أيضا. وذلك أنه حين كتب معاوية إلى مروان بن الحكم ابن أبي العاص بأن يبايع الناس ليزيد، ردّ عليه عبد الرحمن وقال مروان: يا أيها الناس هو الذي قال الله فيه وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ فسمعت عائشة فغضبت وقالت: والله ما هو به ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه. ثم ميز حال المؤمن من حال الكافر بقوله وَلِكُلٍّ أي من الجنسين دَرَجاتٌ من جزاء ما عملوا فغلب أهل الدرجات على أهل الدركات، أو الدرجات هي المراتب متصاعدة أو متنازلة، والباقي واضح مما مرّ. والاستكبار عن قبول الحق ذنب القلب، والفسق عمل الجوارح، والأوّل أولى بالتقديم لعظم موقعه. وقد يحتج بالآية على أن الكفار مخاطبون بالفروع. قال مؤلف