للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله صلى الله عليه وسلم «اليد العليا خير من اليد السفلى» «١»

يريد بالعليا المعطية أي الله يعطيهم ما يكون له به الفضل عليهم. وقيل: اليد القوة أي نصرته إياهم فوق نصرتهم لرسوله. وقيل: يد الله بمعنى الحفظ فإن المتوسط بين المتبايعين يضع يده فوق يدهما فلا يترك أن تتفارق أيديهما حتى يتم البيع، والمراد أن الله تعالى يحفظهم على بيعتهم. ثم زجرهم من نقض العهد وحثهم على الوفاء بقوله فَمَنْ نَكَثَ إلى آخره. والنكث والنقض أخوان. وقوله فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ أي لا يعود ضرر نكثه إلا عليه.

قال جابر بن عبد الله: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة على الموت وعلى أن لا نفر، فما نكث أحد منا البيعة إلا جد بن قيس، وكان منافقا اختبأ تحت إبط ناقته ولم يثر مع القوم.

ثم بين ما يعلم منه إعجاز القرآن لأنه أخبر عن الغيب وقد وقع مطابقا وله في السورة نظائر فقال سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ هم أسلم ومزينة وجهينة وغفار. وقيل: سموا مخلفين لأن التوفيق خلفهم ولم يعتدّ بهم. والظاهر أنهم سموا بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر الأعراب وأهل البوادي حذرا من قريش أن يصدّوه عن البيت، فتثاقل كثير من الأعراب وقالوا: يذهب إلى قوم قصدوه في داره بالمدينة وظنوا أنه يهلك فلا ينقلب إلى المدينة فاعتلوا. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا وقالوا شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا سل الله أن يغفر لنا تخلفنا عنك وإن كان عن عذر فكذبهم الله بقوله يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وقوله شيئا من الضر كقتل وهزيمة ولا يوصل إليهم نفعا إلا ما شاء الله. وإنما قال هاهنا بزيادة لفظة لَكُمْ لأنه في قوم بأعيانهم بخلاف «المائدة» فإنه عام لقوله أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [المائدة: ١٧] ثم ردّ قولهم اللساني فقال بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ثم ردّ اعتذارهم الواهي بقوله بَلْ ظَنَنْتُمْ الآية.

والبور جمع بائر أي هالك والباقي واضح إلى قوله رَحِيماً وفيه بيان كمال قدرته على تعذيب الكافرين مع أن مغفرته ذاتية ورحمته سابقة. وقوله سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إنما لم يقل هنا لك لأن المخاطبين هم المؤمنون كلهم لا النبي وحده. وجمهور المفسرين على أن هؤلاء هم المخلفون المذكورون فيما تقدم.

وقوله إِلى مَغانِمَ هي مغانم خيبر، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد أهل الحديبية أن غنائم أهل خيبر لهم خصوصا من غاب منهم ومن حضر بدل تعب السفر في العمرة التي


(١) رواه البخاري في كتاب الوصايا باب ٩ مسلم في كتاب الزكاة حديث ٩٤، ٩٥ أبو داود في كتاب الزكاة باب ٢٨ الترمذي في كتاب الزهد باب ٣٢ النسائي في كتاب الزكاة باب ٥٠، ٥٢ الموطأ في كتاب الصدقة حديث ٨ الدارمي في كتاب الزكاة باب ٢٢ أحمد في مسنده (٢/ ٤، ٦٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>