صدّهم المشركون عنها. وزاد الزهري فقال: وإن حضرها من غيرهم من الناس. قالوا:
ولم يغب منهم عنها أحد إلا جابر ابن عبد الله، فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضر.
وكان انصراف النبي صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المحرم، ثم خرج إلى خيبر وخرج معه من شهد الحديبية ففتحها وغنم أموالا كثيرة وجعلها لهم خاصة، وكان قبل ذلك وعد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه غنائم خيبر فسمع المنافقون ذلك فقالوا للمؤمنين ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ فمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله أمره أن لا يخرج إلى خيبر إلا أهل الحديبية وذلك قوله يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ فقال الله لنبيه قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا أي في خيبر. وقيل: عامّ في غزواته كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ أي قبل انصرافهم إلى المدينة فَسَيَقُولُونَ ردّا على النبي والمؤمنين إن الله لم يأمركم به بَلْ تَحْسُدُونَنا أن نشارككم في الغنيمة فرد الله عليهم ردّهم بقوله بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا فهما قَلِيلًا وهو فطنتهم لأمور الدنيا دون أمور الدين، أو هو فهمهم من قوله قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا مجرد النهي فحملوه على الحسد ولم يعلموا أن المراد هو أن هذا الاتباع لا يقع أصلا لأن الصادق قد أخبر بنفيه. وذهب جماعة من المفسرين منهم الزجاج إلى أن كلام الله هاهنا هو قوله في سورة براءة لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً [الآية: ٨٣] واعترض بأن هذا في قصة تبوك التي كانت بعد الحديبية بسنتين بإجماع من أهل المغازي. وأجاب بعضهم بأن هذه الآية أعني سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ نزلت في غزوة تبوك أيضا. وعندي أن الاعتراض غير وارد ولا حاجة إلى الجواب المذكور. ثم إن الله سبحانه أخبر عن مخلفي الحديبية بأنهم سيدعون إلى قوم أولي قوة ونجدة في الحروب. وقيل: هم هوازن وغطفان. وقيل: هم الروم، غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك. والأكثرون على أن القوم أولي البأس الشديد هم بنو حنيفة قوم مسيلمة وأهل الردة الذين حاربهم أبو بكر الصدّيق لأنه تعالى قال تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ومشركو العرب والمرتدون هم الذين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، ومن عداهم من مشركي العجم وأهل الكتاب والمجوس تقبل منهم الجزية. هذا عند أبي حنيفة، وأما الشافعي فعنده لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب، والمجوس دون مشركي العجم والعرب. وقد يستدل بهذا على إمامة أبي بكر فإنهم لم يدعوا إلى حرب في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن بعد وفاته ولا سيما فيمن يزعم أنه نزل فيهم لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً [التوبة: ٨٣] اللهم إلا أن يقال: المراد لن تخرجوا معي ما دمتم على حالكم من مرض القلوب والاضطراب في الدين، أو أنهم لا يتبعون الرسول إلا متطوّعين لا نصيب لهم في المغنم قاله مجاهد. وقوله أَوْ يُسْلِمُونَ رفع على الاستئناف يعني أو هم يسلمون.
ويجوز أن يراد إلى أن يسلموا، فحين حذف «أن» رفع الفعل. وقيل: الإسلام هاهنا الانقياد