بالموت ويدفن في الأرض منهم. وَعِنْدَنا كِتابٌ هو اللوح المحفوظ من التغيير ومن الشياطين. ثم أتبع الإضراب الأول إضرابا آخر فقال بَلْ كَذَّبُوا والمقصود أن تكذيبهم بِالْحَقِّ الذي هو محمد أو القرآن أو الأخبار بالبعث في أوّل وهلة من غير تدبر أفظع من تعجبهم. والمريج أمر دينهم المضطرب المخلوط بالشبهات والشكوك ولهذا نسبوا القرآن تارة إلى السحر وأخرى إلى الشعر أو الكهانة وقالوا في حق محمد صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. ثم استدل على حقية المبدأ والمعاد بوجوه أخر: منها بناء السماء ورفعها بلا عمد ولا فروج أي شقوق وفتوق ولكنها صحيحة الاستدارة من جميع الجوانب. وليس في الآية دلالة على امتناع الخرق على السماء لأن الإخبار عن عدم الوقوع لا ينافي إمكانه. نعم إنه مناف لوجود نحو الأبواب فيها ظاهرا اللهم إلا أن تدعي المغايرة بين الفروج والأبواب. وفي قوله فَوْقَهُمْ مزيد توبيخ لهم ونداء عليهم بغاية الغباوة. ومنها مدّ الأرض أي دحوها.
ومنها خلق الجبال الرواسخ. ومنها خلق أصناف النبات مما يبتهج به ويروق الناظر لخضرته ونضرته كل ذلك ليتبصر به ويتذكر من يرجع إلى ربه ويفكر في بدائع المخلوقات ويرتقي إلى الصانع من المصنوعات. ومنها إنزال ماء المطر الكثير المنافع المنبت للجنات والحبات. والحصيد صفة موصوف محذوف أي وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالحنطة وغيرها من الأقوات ونحوها. والباسقات التي طالت في السماء، والطلع أوّل ما يبدو من ثمر النخيل، والنضيد الذي نضد بعضه فوق بعض، والمراد كثرة الطلع وتراكمه المستتبع لكثرة الثمر. ثم شبه بإحياء الأرض خروج الموتى كما قال في الروم وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ [الآية: ١٩] ثم هدّدهم بأحوال الأمم السالفة وقد مر قصصهم مرارا. وأما حديث أصحاب الرس فلم يذكر إلا في «الفرقان» وحديث تبع في «الدخان» . وأراد بفرعون قومه لأن المعطوف عليه أقوام فَحَقَّ وَعِيدِ مثل فَحَقَّ عِقابِ [ص: ١٤] وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. ثم دل على الحشر بضرب آخر من البيان وهو أن الذي لم يعي أي لم يعجز عن الخلق الأول بالنسبة إلى أيّ مخلوق فرض كيف يعجز عن الإعادة؟ واللبس الخلط والشبهة، وتنكير اللبس والخلق الجديد للتعظيم أي لبس عظيم، وخلق له شأن وحق عليه أن يهتم به ولا يغفل عنه.
ثم شرع في تقرير خلق الإنسان الدال على شمول علم الله سبحانه وعظيم قدرته على بدئه وإعادته. والوسوسة الصوت الخفي. والباء في بِهِ للتعدية و «ما» مصدرية أي نعلم جعل نفسه إياه موسوسا. والقرب مجاز عن العلم التام كقولهم «هو منى مقعد القابلة ومعقد الإزار» وما في الآية أدل على الإفراط في القرب لأن الوريد جزء من بدن الإنسان