للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد أن علمه ينفذ في بواطن الأشياء نفوذ الدم في العروق. والوريد العرق الحامل للدم سوى الشرايين، سمي وريدا لأن الروح أو الدم يرده. والوريدان عرقان يكتنفان لصفحتي العنق في مقدمها يتشعبان من الرأس يتصلان بالوتين. والحبل العرق أيضا شبه بواحد الحبال والإضافة للبيان كإضافة العام إلى الخاص. قال جار الله: «إذ» منصوب ب أَقْرَبُ والمراد أنه أقرب من الإنسان من كل قريب حين يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به. وفيه أن كتابة الملكين لا حاجة إليها لعلام الغيوب وإنما هي لأغراض أخر كإلزام العبد واستحيائه منهما.

عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن مقعد ملكيك على- ثنييك أي عطفيك- ولسانك قلمهما وريقك مداد هما وأنت تجري فيما لا يعنيك لا تستحي من الله ولا منهما»

ويجوز أن يكون تلقى الملكين بيانا للقرب فكأنه قيل: لا يخفى عليه شيء لأن حفظته موكلون به. والتلقي التلقن بالحفظ والكتبة، والقعيد المقاعد كالجليس بمعنى المجالس، والتقدير عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فاختصر المفاعلة. وإما بالنسبة إلى الملك الآخر وإما بالإضافة إلى الإنسان، والعتيد الحاضر. قال أكثر المفسرين: إنهما يكتبان كل شيء حتى أنينه في مرضه. وقيل: لا يكتبان إلا الحسنات والسيئات. وقيل: إن الملائكة يجتنبون الإنسان عند غائطه وعند جماعه. وحين حكى إنكارهم البعث واحتج عليهم بالدلائل الباهرة أخبر عن قرب القيامتين الصغرى والكبرى بأن عبر عنهما بلفظ الماضي وهو قوله وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ ونفخ في الصور وسكرات الموت حالاته الذاهبة بالعقل. والباء في بِالْحَقِّ للتعدية أي أحضرت السكرة حقيقة الأمر وجلبة الحال من تحقق وقوع الموت أو من سعادة الميت أو ضدّها كما نطق بها الكتاب والسنة، أو المراد وجاءت ملتبسة بالغرض الصحيح الذي هو ترتب الجزاء على الأعمال ذلِكَ المجيء ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ أي تميل وتهرب أيها الإنسان. ولا ريب أن هذا الهرب للفاجر يكون بالحقيقة وللبر يكون بسبب نفرة الطبع إلا أنه إذا فكر في أمر نفسه وما خلق هو لأجله علم أن الموت راحة وخلاص عن عالم الآفات والبليات. قوله ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ إشارة إلى النفخ والمضاف محذوف أي وقت النفخ الثاني آن زمان الوعيد. والسائق والشاهد ملكان، أحد هما يسوقه إلى المحشر أو إلى الجنة أو النار كما قال وَسِيقَ والآخر يشهد عله بأعماله ويجوز أن يكون ملكا واحدا جامعا بين الأمرين. ويجوز أن يكون الرقيب المذكور والجملة حال من كل لأنه لعمومه كالمعرفة. ثم يقال للإنسان. لَقَدْ كُنْتَ في الدنيا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا الأمر فَكَشَفْنا عَنْكَ بقطع العلائق الحسية ومفارقة النفس الناطقة غِطاءَكَ وهو الاشتغال بعالم المحسوسات فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ غير كليل متيقظ غير نائم. وقال ابن زيد:

الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم كقوله ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [الشورى: ٥٢] أي كنت

<<  <  ج: ص:  >  >>