قبل الوحي في غفلة من هذا العلم. ثم بين أن الشيطان الذي هو قرين كل فاجر لقوله وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً [الزخرف: ٣٦] يقول لأهل المحشر أو لسائر القرناء قد أعتدت قريني لجهنم وهيأته لها. إن جعلت «ما» موصوفة ف عَتِيدٌ صفة لها وإن جعلتها موصولة ف عَتِيدٌ بدل أو خبر ثان أو خبر مبتدأ محذوف. ويحتمل أن يقول الشيطان لقرينه هذا البلاء النازل بك مما أعددته لك أَلْقِيا خطاب من الله للملكين السائق والشهيد أو للواحد على عادة قول العرب «خليلي» و «قفا» . وذلك أن أكثر الرفقاء يكون ثلاثة. وقال المبرد: التثنية للتأكيد كأنه قيل: ألق ألق: نزلت تثنية الفاعل منزلة تثنية الفعل لاتحادهما. وجوز أن يكون الألف بدلا من نون التأكيد الخفيفة إجراء للوصل مجرى الوقف يؤيده قراءة الحسن ألقين. عَنِيدٍ ذي عناد أو معاند مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ كثير المنع للمال عن حقوقه أو مناع لجنس الخير أن يصل إلى أهله. وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة كان يمنع بني أخيه من الإسلام وكان يقول: من دخل منكم في الإسلام لم أنفعه بخير ما عشت. مُعْتَدٍ ظالم مُرِيبٍ مشكك أو شاك في دين الله. قوله قالَ قَرِينُهُ جاء على طريقة الاستئناف بخلاف ما تقدّم فإنه جاء على طريق العطف كأن قرينه- وهو الفاجر- قال: يا رب إنه أطغاني فأجاب القرين وهو الشيطان رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ ما أوقعته في الطغيان وَلكِنْ كانَ في الأزل فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ وقالت المعتزلة: ولكنه اختار الضلالة على الهدى.
ثم ذكر كلاما آخر مستأنفا كأن سائلا سأل فماذا قال الله؟ فقيل: قالَ لا تَخْتَصِمُوا وهذا هو الذي دل على أن ثمة مقاولة من الكافر لكنها طويت لدلالة الاختصام عليها والمعنى لا تختصموا في موقف الحساب وَالحال أني قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ وفيه أن اختصامهم كان يجب أن يكون قبل ذلك في الدنيا كما قال إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر: ٦] والباء في بِالْوَعِيدِ إما مزيدة أو للتعدية على أن قدّم بمعنى تقدّم أو هو حال والمفعول جملة. قوله ما يُبَدَّلُ إلى آخره. أي قدّمت إليكم هذا الكلام مقرونا بالوعيد. قال في الكشاف: فإن قلت: إن قوله وَقَدْ قَدَّمْتُ حال من ضمير لا تَخْتَصِمُوا فاجتماعهما في زمان واحد واجب وليس كذلك لأن التقديم في الدنيا والاختصام في الآخرة. قلت: معناه لا تختصموا وقد صح عندكم أني قدّمت إليكم بالوعيد وصحة ذلك عندهم في الآخرة. وأقول: لا حاجة إلى هذا التكلف والسؤال ساقط بدونه لأن مضيّ الماضي ثابت في أيّ حال فرض بعده. وقوله لَدَيَّ إما أن يتعلق بالقول أي ما يبدّل القول الذي هو لديّ يعني ألقيا في جهنم، أو لأملأن جهنم، أو الحكم الأزلي