للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالسعادة والشقاوة. وإما أن يتعلق بقوله ما يُبَدَّلُ أي لا يقع التبديل عندي. والمعاني كما مرت. ويجوز أن يراد لا يكذب لديّ ولا يفتري بين يديّ فإني عالم بمن طغى وبمن أطغى. ويحتمل أن يراد لا تبديل للكفر بالإيمان فإن إيمان اليأس غير مقبول. فقولكم «ربنا وإلهنا» لا يفيدكم. يَوْمَ نَقُولُ منصوب ب بِظَلَّامٍ أو ب «أذكر» قال أهل المعاني:

سؤال جهنم وجوابها من باب التخييل الذي يقصد به تقرير المعنى في النفس. وقوله هَلْ مِنْ مَزِيدٍ أي من زيادة، أو هو اسم مفعول كالمبيع لبيان استكثار الداخلين كما أن من يضرب غيره ضربا مبرحا أو شتمه شتما فاحشا يقول له المضروب: هل بقي شيء آخر يدل عليه قوله سبحانه لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ فلا بدّ أن يحصل الامتلاء فكيف يبقى في جهنم موضع خال حتى تطلب المزيد؟ ويحتمل أنها تطلب الزيادة بعد امتلائها غيظا على العصاة وتضيقا للمكان عليهم، أو لعل هذا الكلام يقع قبل إدخال الكل. وفيه لطيفة وهي أن جهنم تغيظ على الكفار فتطلبهم، ثم يبقى فيها موضع لعصاة المسلمين فتطلب الامتلاء من الكفار كيلا ينقص إيمان العاصي حرها، فإذا أدخل العصاة النار سكن غيظها وسكن غضبها وعند هذا يصح ما ورد في الأخبار، وإن جهنم تطلب الزيادة حتى يضع الجبار فيها قدمه والمؤمن جبار يتكبر على ما سوى الله تعالى ذليل متواضع لله. وروي أنه لا يلقى فيها فوج إلا ذهب ولا يملؤها شيء فتقول: قد أقسمت لتملأني فيضع تعالى فيها قدمه أي ما قدّمه في

قوله «سبقت رحمتي غضبي» «١»

أي يضع رحمته فتقول: قط قط ويزوي بعضها إلى بعض ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقا فيسكنون فضول الجنة. قلت: لا ريب أن جهنم الحرص والشهوة والغضب لا تقر ولا تسكن ولا تنتهي إلى حدّ معلوم، بل تقول دائما بلسان الحال هل من مزيد إلا أن يفيض الله سبحانه عليها من سجال هدايته ورحمته فيتنبه صاحبها وينتهي عن طلب الفضول ويقف في حدّ معين ويقنع بما تيسر، وكذا الترقي في مدارج الكمالات ليس ينتهي إلى حدّ معلوم إلا إذا استغرق في بحر العرفان وكان هنالك ما كان كما قال وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ أي قربت للمتقين يحتمل أن تكون الواو للاستئناف وأن تكون للعطف على نَقُولُ والمضي لتحقيق الوقوع المستدعي لمزيد البشارة ولم يكن المنذرون مذكورين في الآية المتقدّمة فلم يحتج إلى تحقيق الإنذار. وقوله غَيْرَ بَعِيدٍ نصب على الظرف أي مكانا غير بعيد عنهم، أو على الحال. ووجه تذكيره مع


(١) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب ١٥، ٢٢، ٢٨ مسلم في كتاب التوبة حديث ١٤- ١٦ الترمذي في كتاب الدعوات باب ٩٩ ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٣ أحمد في مسنده (٢/ ٢٤٢، ٢٥٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>