للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد قطع التعلق آثار الإحسان ونتيجته. وقوله ما آتاهُمْ على المضي لتحقق الإيتاء مثل وَنادى [الأعراف: ٣٨] وَسِيقَ [الزمر: ٧٢] وقال أهل العرفان: ما آتاهم في الأزل يأخذون نتائجه في الأبد. ثم فسر إحسانهم بقوله كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ «ما» صلة أي كانوا ينامون في طائفة قليلة من الليل أو يهجعون هجوعا قليلا. وجوز أن تكون ما مصدرية أو موصولة. وارتفع «ما» مع الفعل على أنه فاعل قليلا من الليل هجوعهم أو الذي يهجعون فيه. وفيه أصناف من المبالغة من جهة لفظ الهجوع وهو النوم اليسير، ومن جهة لفظ القلة، ومن جهة التقييد بالليل لأنه وقت الاستراحة فقلة النوم فيه أغرب منها في النهار، ومن جهة ما المزيدة على قول. ولا يجوز أن تكون «ما» نافية لأن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها. وصفهم بأنهم يحيون أكثر الليل متهجدين فإذا أسحروا أخذوا في الاستغفار وكأنهم باتوا في معصية الملك الجبار. وهذا سيرة الكريم يأتي بأبلغ وجوه الكرم. ثم يستقله ويعتذر، واللئيم بالعكس يأتي بأقل شيء ثم يمن به ويستكثر. ومثله المطيع يأتي بغاية مجهوده من الخدمة ثم ينسب نفسه إلى التقصير فيستغفر. ويمكن أن يقال:

إنهم يستغفرون من الهجوع كأنهم أرادوا أن يقوموا على إحياء الليل كله. ويجوز أن يكون الاستغفار بمعنى الصلاة لقوله بعده فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ فيكون كقوله يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ [البقرة: ٣] ووجه أغرب وهو أن يكون السين في استغفر مثله في استحصد الزرع أي حان أن يحصد فكأن وقت السحر وهو الأولى بحصول المغفرة. قال جار الله: في قوله هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ إشارة إلى أنهم هم المستغفرون الأحقاء بالاستغفار دون المصرين. وقيل: إبراز الضمير لدفع وهم من يظن أن التقدير وبالأسحار قليلا يستغفرون على قياس الفعل السابق.

وحيث ذكر جدهم في التعظيم لأمر الله أردفه بذكر شفقتهم على خلق الله. والمشهور في الحق أنه القدر الذي علم إخراجه من المال شرعا وهو الزكاة قيل: إنه على هذا لم يكن صفة مدح لأن كل مسلم كذلك بل كل كافر وذلك إذا قلنا إنه مخاطب بالفروع إلا أنه إذا سلم سقط عنه. وأجيب بأن السائل من له الطلب شرعا. والمحروم من الحرمة وهو الذي منع الطلب فكأنه قيل: في أموالهم حق للطالب- وهو الزكاة- ولغير الطالب وهو الصدقة المتطوع بها التي تتعلق بفرض صاحب المال وإقراره وليس عليه فيها مطالبة. ويمكن أن يقال: أراد في أموالهم حق في اعتقادهم وسيرتهم كأنهم أوجبوا على أنفسهم أن يعطوا من المال حقا معلوما وإن لم يوجبه الشرع. وفي السائل والمحروم وجوه أحدها ما مر. الثاني السائل هو الناطق والمحروم كل ذي روح غيره من الحيوان كما

قال صلى الله عليه وسلم «لكل كبد حرى

<<  <  ج: ص:  >  >>