للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمرة القوة. والظاهر أنها القوة الجسمانية كقوله وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة: ٢٤٧] فمن قوته أنه قلع قريات قوم لوط وقلبها بجناحه، وصاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين، وكان ينزل إلى الأنبياء ويصعد في لمحة. ويجوز أن يراد بقوله شَدِيدُ الْقُوى قواه الجسمانية وبقوله ذُو مِرَّةٍ القوى العقلية. والتنكير للتعظيم. قوله فَاسْتَوى المشهور أن فاعله جبرائيل عليه السلام أي فاستقام على صورته الحقيقية دون صورة دحية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أن يراه في صورته التي جبل عليها فاستوى له في الأفق الأعلى أي الأشرف وهو الشرقي ثُمَّ دَنا جبرائيل من الرسول الله صلى الله عليه وسلم على الصورة المعتادة فَتَدَلَّى قيل: فيه تقديم وتأخير أي فتعلق عليه في الهواء ثم دنا منه. وقيل: دنا أي قصد القرب من محمد أو تحرك من المكان الذي كان فيه، فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. يقال:

تدلت الثمرة ودلى رجليه من السرير وقد يقال: الدنو والتدلي بمعنى واحد فلا يفيد إلا التأكيد. ثم زاد تأكيدا بقوله فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ قال أهل العربية. هو من باب حذف المضافات أي فكان مقدار مسافة قرب جبرائيل عليه السلام مثل «قاب قوسين» . والقاب والقيب والقاد والقيد والقيس كلها المقدار. والعرب تقدر الأشياء بالقوس والرمح والسوط والذراع والباع وغيرها.

وفي الحديث «لا صلاة إلى أن ترتفع الشمس مقدار رمحين» «١»

وقال صلى الله عليه وسلم «لقاب قوس أحدكم من الجنة وموضع قده خير من الدنيا وما فيها» «٢»

والقد السوط. وقوله أَوْ أَدْنى أي في تقديركم كقوله مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات ١٤٧] وقال بعضهم: الضمير في فَاسْتَوى لمحمد صلى الله عليه وسلم وذلك أن تعليم جبرائيل إياه كان قبل كماله واستوائه، فحين تكاملت قواه النظرية والعلمية وصار بالأفق الأعلى أي بالرتبة العليا من المراتب الإنسانية دنا من الأمة فتدلى أي لان لهم ورفق بهم حتى قال إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ [الكهف: ١١٠] فكان الفرق بينه وبين جبرائيل قليلا جدا. وعلى هذا يمكن أن يكون الرجحان في الكمال للنبي صلى الله عليه وسلم كما يقول أكثر أهل السنة، أو بالعكس كما تزعم طائفة منهم ومن غيرهم، ويحتمل على هذا القول أن يكون الضمير في دَنا لجبريل والمراد أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن زال عن الصفات البشرية من الشهوة والغضب والجهل وبلغ الأفق الأعلى الإنساني، ولكن نوعيته لم تزل عنه وكذلك جبرائيل.


(١) رواه أبو داود في كتاب التطوع باب ١٠
(٢) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب ٥ كتاب بدء الخلق باب ٨ الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب ١٧ أحمد في مسنده (٢/ ٤٨٢، ٤٨٣) (٣/ ١٤١، ١٥٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>