للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«رأيت الهلال على السطح» وقد مر. وقال بعضهم عِنْدَ ظرف زمان كما يقال: صليت عند طلوع الفجر. والمعنى رآه عند الحيرة القصوى أي في وقت تحار عقول العقلاء فيه ولكنه ما حار ولم يعرض له سدر. وإضافة سدرة إلى المنتهى إما من إضافة الشيء إلى مكانه كما يقال «أشجار البلدة الفلانية كذا» وأشجار الجنة لا تيبس ولا تخلو من الثمار.

فالمنتهى حينئذ موضع لا يتعداه ملك ولا يعلم ما وراءه أحد وإليه ينتهي أرواح الشهداء.

وإما من إضافة الملك إلى الحال كما يقال «ظرف المداد» أي سدرة هي محل انتهاء الجنة.

وإما من إضافة الملك إلى مالكه كما يقال «دار زيد وأشجار عمرو» فيكون التقدير سدرة المنتهى إليه وهو الله سبحانه قال وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى فالإضافة للتشريف «نحو بيت الله وناقة الله» . وقال الحسن: جَنَّةُ الْمَأْوى هي التي يصير إليها المتقون. وقيل: يأوي إليها أرواح الشهداء والظاهر أن الضمير في عِنْدَها للسدرة. وقيل: للنزلة من ذهب إلى أن سدرة المنتهى معناها الحيرة القصوى. قال إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى معناه ورود حالة على حالة أي طرأ على محمد حين ما يحار العقل ما طرأ من فضل الله ومن رحمته.

والأكثرون قالوا فيه تعظيم وتكثير لما يغشى الشجرة من الخلائق الدالة على عظمة الله وجلاله مما لا يحيط بها الوصف.

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رأيت على كل ورقة من ورقها ملكا قائما يسبح الله»

وعنه عليه السلام «يغشاها رفرف من طير خضر»

والرفرف كل ما يبسط من أعلى إلى أسفل. وعن ابن مسعود وغيره: يغشاها فراش أو جراد من ذهب. والمحققون على أنها أنوار الله تعالى تجلى للسدرة كما تجلى للجبل لكن السدرة كانت أقوى من الجبل، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان أثبت من موسى فلم تضطرب الشجرة ولم يصعق محمد صلى الله عليه وسلم. قوله ما زاغَ الْبَصَرُ

فيه وجهان: أشهرهما أنه بصر محمد صلى الله عليه وسلم أي لم يلتفت إلى ما يغشاها.

فإن كان الغاشي هو الفراش أو الجراد من ذهب فمعناه ظاهر ويكون ذلك ابتلاء وامتحانا لمحمد صلى الله عليه وسلم بالأمور الدنيوية، وإن كان الغاشي أنوار الله فالمراد أنه لم يلتفت إلى غير المقصود ولم يشتغل بالنور عن ذي النور. أو المراد ما زاغ البصر بالصعقة بخلاف موسى عليه السلام. وفي الأول بيان أدب محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الثاني بيان مزيته. وذهب بعضهم إلى أن اللام للجنس أي ما زاغ بصره أصلا في ذلك الموضع هيبة وإجلالا. والظاهر أن الضمير في قوله وَما طَغى للبصر أي ما جاوز حده المعين المأمور برؤيته. ويحتمل أن يكون لمحمد صلى الله عليه وسلم أي ما زاغ بصره بالميل إلى غير المقصود، وما طغى محمد بسبب الالتفات.

قال بعض العلماء: فيه بيان لوصول محمد صلى الله عليه وسلم إلى سدرة اليقين الذي لا يقين فوقه إذ لم ير الشيء على خلاف ما هو عليه بخلاف الناظر إلى عين الشمس فإنه إذا نظر إلى شيء آخر

<<  <  ج: ص:  >  >>