رآه أبيض أو أصفر أو أخضر. قوله لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى الظاهر أن الكبرى صفة الآيات أي لقد رأى بعض آيات ربه الكبرى. وذلك البعض إما جبرائيل على صورته، وإما سائر عجائب الملكوت. ويحتمل أن يكون صفة لمحذوف أي لقد رأى من آيات ربه آية هي الكبرى. وعلى هذا لا تكون تلك الآية رؤية جبريل لما ورد في الاخبار أن لله ملائكمة أعظم منه كالملك الذي يسمى روحا. نعم لو قيل: إنها رؤية الله الأعظم كان له وجه عند من يقول بأنه صلى الله عليه وسلم رأى الله ليلة المعراج. وفيه خلاف تقدم.
قوله أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى إلخ. أي عقيب ما سمعتم من عظمة الله تعالى ونفاذ أمره في الملأ الأعلى، وأن الذي سد الأفق ببعض أجنحته تخلف عند سدرة المنتهى، هل تنظرون إلى هذه الأصنام مع قلتها وفقرها حتى تعلموا فساد ما ذهبتم إليه وعولتم عليه؟
قال في الكشاف: اللات اسم صنم كان لثقيف بالطائف وأصله «فعلة» من لوى يلوي لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة، أو يتلوون عليها أي يطوفون فكأنه حذفت الياء تخفيفا وحركت الواو فانقلبت ألفا. والوقف عليه بالتاء كيلا يشبه اسم الله: وقيل: أصله اللات بالتشديد وقد قرئ به. زعموا أنه سمي برجل كان يلت عنده السمن بالزيت ويطعمه الحاج.
وعن مجاهد: كان رجل يلت السويق بالطائف وكانوا يعكفون على قبره فجعلوه وثنا. والعزى تأنيث الأعز وكان لغطفان وهي شجرة سمرة بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد ابن الوليد فقطعها فخرجت منها شيطانة مكشوفة الرأس ناشرة الشعر تضرب رأسها وتدعو بالويل والثبور فجعل خالد يضربها بالسيف حتى قتلها وهو يقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما فعل. فقال: تلك العزى ولن تعبد أبدا.
وأما مناة فهي صخرة كانت لهذيل وخزاعة كأنها سميت بذلك لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها أي تراق. ومن قرأ بالمد فلعلها «مفعلة» من النوء كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها. والْأُخْرى لا يطلق إلا إذا كان الأول مشاركا كالثاني فلا يقال: رأيت رجلا وامرأة أخرى. وإنما يقال رأيت رجلا ورجلا آخر. وهاهنا ليست عزى ثالثة فكيف قال وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى؟ وأجيب بأن الأخرى صفة ذم لها أي المتأخرة الوضيعة المقدار كقوله قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ [الأعراف: ٣٨] أي وضعاؤهم لرؤسائهم. ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم للات والعزى وذلك أن الأول كان على صورة آدمي، والعزى كانت من النبات ومناة من الجماد. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير أي ومناة الأخرى. الثالثة.