قرب سبعمائة سنة ولم تقم الساعة ولا يصح إطلاق لفظ القرب على مثل هذا الزمان.
والجواب أن كل ما هو آت قريب وزمان العالم زمان مديد والباقي بالنسبة إلى الماضي شيء يسير قال أهل اللغة: في «افتعل» مزيد تشجم ومبالغة فمعنى اقترب دنا دنوا قريبا، وكذلك اقتدر أبلغ من قدر. ثم بين أن ظهور آيات الله لا يؤثر فيهم بل يزيد في عنادهم وتمردهم حتى سموها سحرا مستمرا أي دائما مطردا كأنهم قابلوا ترادف الآيات وتتابع المعجزات باستمرار السحر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي كل أوان بمعجزة قولية أو فعلية سماوية أو أرضية. وقيل: هو من قولهم «حبل مرير الفتل» من المرة وهي الشدة أي سحر قوي محكم. وقيل: من المرارة يقال: استمر الشيء إذا اشتد مراراته أي سحر مستبشع مر في مذاقنا. وقيل: مستمر أي مار ذاهب زائل عما قريب. عللوا أنفسهم بالأماني الفارغة فخيب الله آمالهم بإعلاء الدين وتكامل قوته كل يوم. والظاهر أن قوله وَإِنْ يَرَوْا إلى آخر الآية. جملة معترضة بيانا لما اعتادوه عند رؤية الآيات. وقوله وَكَذَّبُوا عطف على قوله اقْتَرَبَتِ كأنهم قابلوا الاقتراب والانشقاق بالتكذيب واتباع الأهواء.
والمعنى وكذبوا بالأخبار عن اقتراب الساعة وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ في أن محمد صلى الله عليه وسلم ساحر أو كاهن أو كذبوا بانشقاق القمر واتبعوا آراءهم الفاسدة في أنه خسوف عرض للقمر وكذلك كل آية وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ صائر إلى غاية وأن أمر محمد صلى الله عليه وسلم سيصير إلى حد يعرف منه حقيقته وكذلك أمرهم مستقر على حالة البطلان والخذلان. ومن قرأ بالجر فلعطف كُلُّ على الساعة أي اقتربت الساعة واقترب كل أمر مستقر وبين حاله. ثم أشار بقوله وَلَقَدْ جاءَهُمْ إلى أن كل ما هو لطف بالعباد قد وجد فأخبرهم الرسول باقتراب القيامة وأقام الدليل على صدقه ووعظهم بأحوال القرون الخالية وأهوال الدار الآخرة.
وفي كل ذلك مُزْدَجَرٌ لهم أي ازدجار أو موضع ازدجار ومظنة ادكار وهو افتعال من الزجر قلبت التاء دالا. وقوله حِكْمَةٌ يحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هذا الترتيب في إرسال الرسول وإيضاح الدليل والإنذار بمن مضى من القرون حكمة بالغة كاملة قد بلغت منتهى البيان فما تغنى نفي أو استفهام إنكار معناه أنك أتيت بما عليك من دعوى النبوة مقرونة بالآية الباهرة وأنذرتهم بأحوال الأقدمين فلم يفدهم فأي غناء تغنى النذر أي الإنذارات بعد هذا فَتَوَلَّ عَنْهُمْ لعلمك أن الإنذار لا يفيد فيهم ولا يظهر الحق لهم إلى يوم البعث والنشور. والداعي إسرافيل أو جبريل ينادي إلى شيء منكر فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد بمثله وهو هول يوم القيامة. وتخصيص المدعوين بالكافرين من حيث إنهم هم الذين يكرهون ذلك اليوم من ضيق العطن قوله خاشِعاً حال من الخارجين والفعل للأبصار. وليس قراءة من قرأ خُشَّعاً على الجمع من باب «أكلوني