للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفسر بالصفة، وذلك أن النصب نص في المعنى المقصود وأما الرفع فيحتمل معنيين:

أحدهما كل شيء فإنه مخلوق بقدر وهو يؤدي مؤدى النصب، والآخر كل شيء مخلوق لنا فإنه بقدر وهذا غير مقصود بل فاسد إذ يفهم منه أن شيئا من الأشياء غير مخلوق لله ليس بقدر والقدر التقدير أي كل شيء خلقناه مرتبا على وفق الحكمة أو مقدرا مكتوبا في اللوح ثابتا في سابق العلم الأزلي.

واعلم أنه قد مر في هذا الكتاب أن الجبري يقول القدرية التي ذمها النبي صلى الله عليه وسلم هو المعتزلي الذي ينفي كون الطاعة والمعصية بتقدير الله. والمعتزلة تقول: الجبري الذي يدعي أن الزنا والسرقة وغيرهما من القبائح كلها بتقدير الله تعالى. وكذا حال السني لأنه وإن كان يثبت للعبد كسبا إلا أنه يسند الخير والشر إلى القضاء والقدر وقال بعض العلماء:

إن كل واحد من الفريقين لا يدخل في اسم القدرية إلا إذا كان النافي نافيا لقدرة الله لا أن يقول: هو قادر على أن يجلىء العبد إلى الطاعة ولكن حكمته اقتضت بناء التكليف على الاختيار وإلا كان المثبت منكرا للتكليف وهم أهل الإباحة القائلين بأن الكل إذا كان بتقدير الله فلا فائدة في التكليف. ولعل وجه تشبيههم بالمجوس أنهم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم كالمجوس فيما بين الكفار المتقدمين فكما أن المجوس نوع من الكفرة أضعف شبهة وأشد مخالفة للعقل فكذلك القدرية في هذه الأمة وبهذا التأويل لا يلزم الجزم بأنهم من أهل النار، وأيضا لعل اسم القدرية لأهل الإثبات أولى منه لأهل النفي كما تقول: دهري لأنه يقول بالدهر والثنوية لإثباتهم إلهين اثنين أو نورا وظلمة. وقال بعضهم: هذا الاسم بأهل النفي أولى لأن الآية نزلت في منكري القدرة وهم المشركون القائلون بأن الحوادث كلها مستندة إلى اتصالات الكواكب وانصرافاتها فلا قدرة لله على شيء من ذلك. قوله وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ أي إلا كلمة واحدة وهي «كن» تأكيد لإثبات القدرة له وقد مر مثله في «النحل» . وقوله كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ تأكيد على تأكيد وهذا تمثيل وإلا فتكوينه وإيجاده عين مشيئته وأرادته. ومعنى الخلق والأمر أيضا تقدم مشتبعا في «الأعراف» ثم هددهم مرة أخرى بقوله وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ أي أشباهكم في الكفر من الأمم. ثم ذكر نوعا آخر من التهديد مع بيان كمال القدرة والعلم فقال وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ أي في صحف الحفظة. قال النحويون: هذا مما التزم فيه الرفع لأن النصب يكون نصا في معنى غير مقصود بل فاسد إذ يلزم منه أن يكون كُلُّ شَيْءٍ مفعولا فِي الزُّبُرِ وهذا معنى غير مستقيم كما ترى. وأما الرفع فيحتمل معنيين. أحدهما صحيح مقصود وهو أن يقدر قوله فعلوهن صفة ل شَيْءٍ والظرف خبر أي كل شيء مفعول للناس فإنه في الزبر. والآخر أن

<<  <  ج: ص:  >  >>