تقدر الجملة خبر أو يبقى الظرف لغوا فيؤدي الكلام حينئذ مؤدي النصب، ولا ريب أن الوجه الذي يصح المعنى فيه على أحد الاحتمالين أولى من الذي يكون نصا في المعنى الفاسد. ثم أكد المعنى المذكور بقوله وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ من الأعمال بل مما وجد ويوجد مُسْتَطَرٌ أي مسطور في اللوح. ثم ختم السورة بوعد المتقين. والنهر جنس أريد به الأنهار اكتفى به للفاصلة. ولما سلف مثله مرارا كقوله إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الذاريات: ١٥] وقيل: معناه السعة والضياء من النهار فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ وفي مكان مرضيّ من الجنة مقربين عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ لا يكتنه كنه عظمته واقتداره نظيره قول القائل «فلان في بلدة كذا في دار كذا مقرب عند الملك» . ويحتمل أن يكون الظرف صفة مَقْعَدِ صِدْقٍ كما يقال «قليل عند أمين خير من كثير عند خائن» . قال أهل اللغة: القعود يدل على المكث بخلاف الجلوس ولهذا يقال للمؤمن «مقعد دون مجلس» ومنه قواعد البيت، وكذا في سائر تقاليبه من نحو وقع أي لزق بالأرض وعقد. والإضافة في مَقْعَدِ صِدْقٍ كهي في قولك «رجل صدق» أي رجل صادق في الرجولية كامل فيها. ويجوز أن يكون سبب الإضافة أن الصادق قد أخبر عنه وهو الله ورسوله، أو الصادق اعتقد فيه وهو المكلف، أو يراد مقعد لا يوجد فيه كذب فإن من وصل إلى الله استحال عليه إلا الصدق وهو تبارك وتعالى أعلم وأجل وأكرم.