للتأكيد. وإنما ختم الآية بقوله فَلَوْلا تَشْكُرُونَ لأنه وصف الماء بقوله الَّذِي تَشْرَبُونَ ولم يصف المطعوم بالأكل أو لأنه قال أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ وهذا لا عمل للآدمي فيه أصلا بخلاف الحرث أو لأن الشرب من تمام الأكل فيعود الشكر إلى النعمتين جميعا ثم عد نعمة أخرى من قبيل ما مر. ومعنى تُورُونَ تقدحونها وتستخرجونها من الشجر وقد سبق ذكرها في آخر «يس» .
وأعلم أنه سبحانه بدأ في هذه الدلائل بذكر خلق الإنسان لأن النعمة فيه سابقة على جميع النعم. ثم أعقبه بذكر ما فيه قوام الناس وقيام معايشهم وهو الحب، ثم أتبعه الماء الذي به يتم العجين، ثم ختم بالنار التي بها يحصل الخبز، وذكر عقيب كل واحد ما يأتي عليه ويفسده فقال في الأولى نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وفي الثانية لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً وفي الثالثة لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً ولم يقل في الرابعة ما يفسدها بل قال نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً تتعظون بها ولا تنسون نار جهنم كما
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ناركم هذه التي يوقدها بنو آدم جزء من سبعين جزءا من جهنم»«١»
وَمَتاعاً وسبب تمتع ومنفعة لِلْمُقْوِينَ للذين ينزلون القواء وهي القفر أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام في السفر من أقوى الرجل إذا لم يأكل شيئا من أيام. وفي نسق هذه الآيات بشارة للمؤمنين وذلك أنه سبحانه بدأ بالوعيد الشديد وهو تغيير ذات الإنسان بالكلية في قوله وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ ثم ترك ذلك المقام إلى أسهل منه وهو تغير قوته ذاتا فقال لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً ثم عقبه بأسهل وهو تغيير مشروبه نعتا لا ذاتا ولهذا حذف اللام في قوله لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً ويحتمل عندي أن يكون سبب حذف اللام هو كون «لو» بمعنى «أن» وذلك أن الماء باق هاهنا فيكون التعليق حقيقة بخلاف الزرع فإنه بعد أن حصد صار التعليق المذكور وهميا فافهم. ثم ختم بتذكير النار وفيه وعد من وجه ووعيد من وجه. أما الأول فلأنه لم يبين ما يفسدها كما قلنا يدل على أن الختم وقع على الرأفة والرحمة. وأما الثاني فلأن عدم ذكر مفسدها يدل على بقائها في الآخرة. وفي قوله تَذْكِرَةً إشارة إلى ما قلنا. ثم أمر بإحداث التسبيح بذكره أو بذكر اسمه العظيم تنزيها له عما يقول الكافرون به وبنعمته وبقدرته على البعث، ثم عظم شأن القرآن بقوله فَلا أُقْسِمُ أي فأقسم والعرب تزيد لا قبل فعل أقسم كأنه ينفي ما سوى المقسم عليه فيفيد
(١) رواه الترمذي في كتاب جهنم باب ٧ الموطأ في كتاب جهنم حديث ١ أحمد في مسنده (٢/ ٣١٣، ٤٦٧)