للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي يكون سببا للألفة أولى مما يكون سببا للوحشة. وأيضا الصدقة عند المناجاة واجبة:

أما المناجاة فليست بواجبة ولا مندوبة بل الأولى ترك المناجاة لما بيّنا من أنها كانت سببا لسآمة النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: هذا الكلام لا يخلو عن تعصب ما ومن أين يلزمنا أن نثبت مفضولية علي رضي الله عنه في كل خصلة، ولم لا يجوز أن يحصل له فضيلة لم توجد لغيره من أكابر الصحابة.

فقد روي عن ابن عمر كان لعلي رضي الله عنه ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إليّ من حمر النعم: تزويجه فاطمة رضي الله عنها وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى.

وهل يقول منصف إن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم نقيصة على أنه لم يرد في الآية نهي عن المناجاة وإنما ورد تقديم الصدقة على المناجاة فمن عمل بالآية حصل له الفضيلة من جهتين: سدّ خلة بعض الفقراء، ومن جهة محبة نجوى الرسول صلى الله عليه وسلم ففيها القرب منه وحل المسائل العويصة وإظهار أن نجواه أحب إلى المناجي من المال والظاهر أن الآية منسوخة بما بعدها وهو قوله أَأَشْفَقْتُمْ إلى آخرها. قاله ابن عباس. وقيل: نسخت بآية الزكاة. أما أبو مسلم الذي يدعي أن لا نسخ في القرآن فإنه يقول: كان هذا التكليف مقدرا بغاية مخصوصة ليتميز الموافق من المنافق والمخلص من المرائي، وانتهاء أمد الحكم لا يكون نسخا له. ومعنى الآية أخفتم تقديم الصدقات لما فيه من الإنفاق المنقص للمال الذي هو أحب الأشياء إليكم فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا ما أمرتم به وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ورخص لكم في أن لا تفعلوا فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات. ومن زعم أن العمل بآية النجوى لم يكن من الطاعات قال: إنه لا يمتنع أن الله تعالى علم ضيق صدر كثير منهم عن إعطاء الصدقة في المستقبل لو دام الوجوب فقال: إذا كنتم تائبين راجعين إلى الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة فقد كفاكم هذا التكليف.

قال المفسرون: كان عبد الله بن نبتل المنافق يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجراته إذ قال: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان، فدخل ابن نبتل وكان أزرق فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل فعلت. فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزل أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا

أي وادّوا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وهم اليهود ما هُمْ مِنْكُمْ لأنهم ليسوا مسلمين بالحقيقة وَلا مِنْهُمْ لأنهم كانوا مشركين في الأصل وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وهو ادعاء الإسلام. وفي قوله وَهُمْ يَعْلَمُونَ دلالة على إبطال قول الجاحظ إن الخبر الكذب هو الذي يكون مخالفا للمخبر عنه مع أن المخبر يعلم المخالفة وذلك أنه لو كان كما زعم لم يكن لقوله وَهُمْ يَعْلَمُونَ فائدة بل يكون تكرار صرفا. قال بعض المحققين: العذاب

<<  <  ج: ص:  >  >>