للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشديد هو عذاب القبر، والعذاب المهين الذي يجيء عقيبه هو عذاب الآخرة. وقيل: الكل عذاب الآخرة لقوله الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ [النحل: ٨٨] قال جار الله: معنى قوله إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ إنهم كانوا في الزمان الماضي المتطاول مصرين على سوء العمل، أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة. ومعنى الفاء في فَصَدُّوا أنهم حين دخلوا في حماية الايمان بالأيمان الكاذبة وأمنوا على النفس والمال اشتغلوا بصدّ الناس عن الدخول في الإسلام بإلقاء الشبهات وتقبيح حال المسلمين.

ويروى أن رجلا منهم قال: لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا فنزل لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ الآية.

ثم أخبر عن حالهم العجيبة الشأن وهو أنهم يحلفون يوم المحشر لعلام الغيوب كما يحلفون لكم في الدنيا وأنتم بشر يخفى عليكم السرائر وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ من النفع. والمراد أنهم كما عاشوا على النفاق والحلف الكاذب يموتون ويبعثون على ذلك الوصف. قال القاضي والجبائي: إن أهل الآخرة لا يكذبون. ومعنى الآية أنهم يحلفون في الآخرة إنا ما كنا كافرين عند أنفسنا. وقوله أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ في الدنيا. ولا يخفى ما في هذا التأويل من التعسف وقد مر البحث في قوله وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:

٢٣] ثم بين أن الشيطان هو الذي زين لهم ذلك. ومعنى استحوذ استولى وغلب ومنه قول عائشة في حق عمر: كان أحوذيا أي سائسا غالبا على الأمور وهو أحد ما جاء على الأصل نحو «استصوب واستنوق» احتج القاضي به في خلق الأعمال بأن ذلك النسيان لو حصل بخلق الله لكانت إضافتها إلى الشيطان كذبا، ولكانوا كالمؤمنين في كونهم حزب الله لا حزب الشيطان. والجواب ظاهر مما سلف مرارا فإن الكلام في الانتهاء لا في الوسط. قوله أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ قال أهل المعنى: إن ذل أحد الخصمين تابع لعز الخصم الآخر. ولما كانت عزة أولياء الله تعالى غير متناهية فذل أعدائه لا نهاية له فهم إذن أذل خلق الله. ثم قرر سبب ذلهم بقوله كَتَبَ اللَّهُ في اللوح لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إما بالحجة وحدها أو بها وبالسيف. قال مقاتل: إن المسلمين قالوا: إنا لنرجو أن يظهرنا الله على فارس والروم.

فقال عبد الله بن أبيّ: أتظنون أن فارس والروم كبعض القرى التي غلبتموهم عليها؟ كلا والله إنهم أكثر عددا وعدّة فنزلت الآية. ثم بين أن الجمع بين الإيمان الخالص وموادّة من حادّ الله ورسوله غير ممكن ولو كان المحادّون بعض الأقربين. وقال جار الله: هذا من باب التمثيل والغرض أنه لا ينبغي أن يكون وحقه أن يمتنع ولا يوجد. قلت: لو اعتبر كل من الأمرين من حيث الحقيقة كان بينهما أشد التباين ولا حاجة إلى هذا التكلف إلا أن يحمل

<<  <  ج: ص:  >  >>