أخرجي الكتاب أو تضعي رأسك فأخرجته من عقاص شعرها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب:
ما حملك عليه؟ فقال: يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكني كنت غريبا في قريش وكل من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهاليهم وأموالهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا، وقد علمت أن الله ينزل عليهم بأسه وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدّقه وقبل عذره فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال: وما يدريك يا عمر لعل الله قد أطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. ففاضت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم وأنزلت السورة.
وتُلْقُونَ مستأنف أو حال من ضمير لا تَتَّخِذُوا أو صفة لأولياء، ولا حاجة إلى الضمير البارز وهو أنتم وإن جرى على غير من هو له لأن ذاك في الأسماء دون الأفعال كما لو قلت مثلا ملقين أنتم والإلقاء عبارة عن الإيصال التام. والباء في بِالْمَوَدَّةِ إما زائدة كما في قوله وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ [البقرة: ١٩٥] أو للسببية ومفعول تُلْقُونَ محذوف معناه تلقون إليهم أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب المودة. وأَنْ تُؤْمِنُوا تعليل ل يُخْرِجُونَ أي يخرجونكم لإيمانكم. وإِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ تأكيد متعلق ب لا تَتَّخِذُوا وجوابه مثله. وانتصب جِهاداً وابْتِغاءَ على العلة أي إن كنتم خرجتم من أوطانكم لأجل جهاد عدوّى ولابتغاء رضواني فلا تتولوا أعدائي. وقوله تُسِرُّونَ مستأنف والمقصود أنه لا فائدة في الإسرار فإن علام الغيوب لا يخفى عليه شيء. ثم خطأ رأيهم بوجه آخر وهو أنهم إن يظفروا بهم أخلصوا العداوة ويقصدونهم بكل سوء باللسان والسنان.
قال علماء المعاني: إنما عطف قوله وَوَدُّوا وهو ماض لفظا على ما تقدمه وهو مضارع تنبيها على أن ودادهم كفرهم أسبق شيء عندهم لعلمهم أن الدين أعز على المؤمنين من الأرواح والأموال وأهم شيء عند العدوّ أن يقصد أعز شيء عند صاحبه. ثم بين خطأ رأيهم بوجه آخر وهو أن المودة إذا لم تكن في الله لم تنفع في القيامة لانفصال كل اتصال يومئذ كما قال يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ [عبس: ٣٤] الآية. ويجوز أن يكون الفصل بمعنى القضاء والحكم. ثم ذكر أن وجوب البغض في الله وإن كان أخاه أو أباه أسوة في إبراهيم عليه السلام والذين آمنوا معه حيث جاهروا قومهم بالعداوة وقشروا لهم العصا وصرحوا بأن سبب العداوة ليس إلا الكفر بالله، فإذا آمنوا انقلبت العداوة موالاة والمناوأة مصافاة والمقت محبة. ثم استثنى إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ من قوله أسوة كأنه قال حق عليكم أن تأتسوا بأقواله إلا هذا القول الذي هو الاستغفار لقوله ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [التوبة: ١١٣] أما قوله وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فليس بداخل في