حكم الاستثناء لأنه قول حق، وإنما أورده إتماما لقصة إبراهيم مع أبيه. وقال في الكشاف:
هو مبني على الاستغفار وتابع له كأنه قال: أنا أستغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار. ثم أكد أمر المؤمنين بأن يقولوا رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا الآية. ويجوز أن يكون من تتمة قول إبراهيم ومن معه وفيه مزيد توجيه. ثم أكد أمر الائتساء بقوله لَقَدْ كانَ فأدخل لام الابتداء وأبدل من قوله لَكُمْ قوله لِمَنْ كانَ يَرْجُوا وختم الآية بنوع من الوعيد. ثم أطمع المؤمنين فيما تمنوا من عداوة أقاربهم بالمودة وَاللَّهُ قَدِيرٌ على تقليب القلوب وتصريف الأحوال وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لمن وادهم قبل النهي أو لمن أسلم من المشركين، فحين يسر الله فتح مكة أسلم كثير منهم ولم يبق بينهم إلا التحاب والتصافي. ولما نزلت هذه الآيات تشدّد المؤمنون في عداوة أقاربهم وعشائرهم فنزل لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ وقوله أَنْ تَبَرُّوهُمْ بدل من الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ وكذا قوله أَنْ تَوَلَّوْهُمْ من الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ والمعنى لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء. ومعنى تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ تعطوهم مما تملكون من طعام وغيره قسطا. وعدّي ب «إلى» لتضمنه معنى الإحسان وقال في الكشاف: تقضوا إليهم بالقسط أي العدل ولا تظلموهم. وقيل: أراد بهم خزاعة وكانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه. وعن مجاهد: الذين آمنوا بمكة.
وقيل: هم النساء والصبيان. وعن قتادة: نسختها آية القتال.
قال المفسرون: إن صلح الحديبية كان على أن من أتاكم من أهل مكة رد إليهم ومن أتى مكة منهم لم يرد إليكم وكتبوا بذلك كتابا وختموه. فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية مسلمة والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية، فأقبل زوجها مسافرا المخزومي. وقيل: صيفي بن الراهب فقال: يا محمد اردد إليّ امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا وهذه طية الكتاب لم تجف فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ الآية.
فكانت بيانا لأن الشرط إنما كان في الرجال دون النساء.
وعن الضحاك: كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين عهد أن تأتيك منا امرأة ليست على دينك إلا رددتها إلينا، فإن دخلت في دينك ولها زوج أن ترد على زوجها الذي أنفق عليها. وللنبي صلى الله عليه وسلم من الشرط مثل ذلك فأتت امرأة فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى فَامْتَحِنُوهُنَّ فحلفت فأعطى زوجها ما أنفق وتزوّجها عمر.
وفائدة قوله اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ أنه لا سبيل لكم إلى ما تسكن إليه النفس من اليقين الكامل لأنكم تختبرونهن بالحلف والنظر في سائر الأمارات التي لا تفيد إلا الظن، وأما الإحاطة بحقيقة إيمانهن فإن ذلك مما تفرد به علام الغيوب فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ العلم الذي يليق بحالكم وهو الظن الغالب فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى أزواجهن