للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبر عن الغدو لأجل الصرم بالغدو عليه كما يقال: غدا عليهم العدو يَتَخافَتُونَ يتسارون فيما بينهم والنهي عن الدخول للمسكين نهي لأصحاب الجنة عن تمكين المسكين منه كأنهم قالوا فيما بينهم لا تمكنوه من الدخول. قوله وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ هو المنع ومنه حاردت السنة إذا منعت خيرها، وحاردت الإبل إذا منعت درها، أي قادرين على منع المساكين لا غير يعني أنهم عزموا على حرمان المساكين مع كونهم قادرين على نفعهم. وغدوا بحال فقر وذهاب ثمر لا يقدرون فيها إلا على النكد والمنع. وفيه أنهم طلبوا حرمان الفقراء فعورضوا بنقيض مقصودهم فتعجلوا الحرمان والمسكنة. ويجوز أن تكون المحاردة للجنة أي غدوا حاصلين على منع الجنة خيرها لا على إصابة النفع منها. ويجوز أن لا يكون قوله عَلى حَرْدٍ صلة قادِرِينَ ولكن الكل يعود إلى قوله أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ أي عاقبهم الله بأن حاردت جنتهم فلم يغدوا على حرث وإنما غدوا على حرد وقوله قادِرِينَ يكون من باب عكس الكلام للتهكم أي قادرين على ما عزموا عليه من الصرام وحرمان المساكين.

وقيل: الحرد بالتسكين والتحريك وهو الأكثر بمعنى الغضب أي لم يقدروا إلا على غضب بعضهم على بعض كقوله يَتَلاوَمُونَ وقيل: الحرد القصد والسرعة قطا حراد أي سراع يعني وغدوا على حالة سرعة ونشاط قادرين عند أنفسهم على صرامها ومنع خيرها من المساكين. وقيل: حرد علم للجنة بعينها والمعنى كما تقدم لأن قوله إِنَّا لَضَالُّونَ يحتمل أن يراد الضلال عن الطريق كأنهم لما رأوا جنتهم محترقة سبق إلى ذهنهم أنها ليست هي وأنهم ضلوا الطريق، فلما تأملوا وعرفوا أنها هي قالوا بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ حرمنا خيرها لشؤم عزمنا على البخل ومنع المساكين. ويحتمل أن يراد الضلال عن الدين لأن منع حق الله نوع من الضلال. ومعنى بل أنهم اعتقدوا كونهم قادرين على الانتفاع بها ومنع الغير منها فقالوا: بل الأمر انقلب علينا فصرنا نحن المحرومين. قالَ أَوْسَطُهُمْ أي أعدلهم وخيرهم كما مر في قوله وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ قال الأكثرون: معنى التسبيح هاهنا الاستثناء لأنه تعالى وبخهم بقوله وَلا يَسْتَثْنُونَ والاستثناء نوع من التنزيه لأنه لو دخل في الوجود شيء على خلاف مشيئته كان نقصا في كمال القدرة. وعن الحسن: هو الصلاة كأنهم يتكاسلون فيها وإلا لنهتهم عن الفحشاء والمنكر. وقال آخرون: إن أوسطهم كان يقول لهم عند عزمهم على منع حقوق الفقراء: لولا تذكرون الله وتتوبون إليه من هذه العزيمة الخبيثة. فلم يلتفتوا إلى قوله إلا بعد خراب الجنة قائلين سُبْحانَ رَبِّنا عن أن يجري في ملكه شيء على خلاف مشيئته. قالت المعتزلة: سبحان الله عن الظلم وعن كل قبيح إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ بمنع المعروف وترك الاستثناء. ومعنى يَتَلاوَمُونَ يلوم بعضهم بعضا يقول واحد لغيره: أنت

<<  <  ج: ص:  >  >>