أشرت علينا بهذا الرأي ويقول الآخر: أنت خوفتنا بالفقر. ويقول الثالث: أنت الذي رغبتني في جمع المال. ثم قالوا جميعا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ اعترافا بالذنب ثم قووا رجاءهم قائلين عَسى رَبُّنا الآية. سئل قتادة عنهم أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال: لقد كلفتني تعبا كأنه توقف في المسألة. وعن مجاهد: إن هذه كانت توبة منهم فأبدلوا خيرا منها. وعن ابن مسعود: بلغني أنهم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا. ثم هدد المكلفين بقوله كَذلِكَ الْعَذابُ أي مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة من القحط والقتل وبلونا أصحاب الجنة عذاب الدنيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أشد وأعظم. ثم مزج وعيد الأشقياء بوعد السعداء قائلا إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ليس فيها إلا النعيم الخالص لا يشوبه منغص كجنان الدنيا. قال مقاتل: لما نزلت هذه الآية قال كفار مكة للمسلمين: إن الله فضلنا عليكم في الدنيا فلا بد أن يفضلنا عليكم في الآخرة، فإن لم يحصل التفضيل فلا أقل من المساواة فنفى الله معتقدهم بقوله أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ قال القاضي: فيه دليل واضح على أن وصفي المسلم والمجرم متنافيان فلا يكون الفاسق مسلما. وأجيب بأنه تعالى لم ينف المماثلة من كل الوجوه لتماثلهما في الجوهرية والجسمية وسائر الأوصاف التي لا تكاد تحصر، فإذن المراد نفي التسوية في أثري الإسلام والإجرام ولا نزاع في ذلك فإن أثر أحدهما وعد وأثر الآخر وعيد أو يكون ثواب المسلم غير المجرم أكثر من ثواب المسلم المجرم على أن المجرم في الآية يحتمل أن يراد به الكافر الذي ضرب مثل أصحاب الجنة فيه وفي أمثاله نظير الآية أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص: ٢٨] وقد مر في «ص» . ثم قال لهم على طريقة الالتفات ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ هذا الحكم المعوج وتخير الشيء واختاره إذا أخذ خيره أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا يقال لفلان علي يمين بكذا إذا ضمنته منه وحلفت له على الوفاء به. ومعنى بالِغَةٌ مؤكدة مغلظة وقوله إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يجوز أن يتعلق ببالغة أي هذه الإيمان في قوتها وكمالها بحيث تنتهي إلى يوم القيامة لم تبطل منها يمين على أن يحصل المقسم عليه وهو قوله إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم أو لكل من يستأهل الخطاب سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ الحكم زَعِيمٌ أي كفيل بالاستدلال على صحته أَمْ لَهُمْ ناس شُرَكاءُ في هذا القول. والمراد من الآيات أنه ليس لهم دليل عقلي في إثبات مذهبهم ولا نقلي وهو كتاب يدرسون
ولا عهد لهم به عند الله ولا زعيم لهم يقوم به ولا لهم من يوافقهم من العقلاء، فدل ذلك على أنه باطل من كل الوجوه. قوله يَوْمَ يُكْشَفُ قيل: منصوب بقوله فَلْيَأْتُوا أي إن كانوا صادقين في أنها شركاء فليأتوا بها يوم القيامة لتنفعهم وتشفع لهم. وقيل: بإضمار «اذكر» . وقيل: التقدير يوم يكشف