عَنْ ساقٍ كان كيت وكيت. احتجت المشبهة على أن لله ساقا وأيدوه بما يروى عن ابن مسعود مرفوعا أنه يتمثل الحق يوم القيامة ثم يقول: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: إذا عرفنا نفسه عرفناه فعند ذلك يكشف الرحمن عن ساقه، فأما المؤمنون فيخرون سجدا، وأما المنافقون فتكون ظهورهم كالطبق الواحد وذلك قوله وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ حال كونهم خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ يعني يلحقهم ذل بسبب أنهم لم يكونوا مواظبين على خدمة مولاهم في حال السلامة ووجود الأصلاب والمفاصل على هيآتها المؤدية للركوع والسجود.
وقال أهل السنة: الدليل الدال على أنه تعالى منزه عن الجسمية وعن كل صفات الحدوث وسمات الإمكان دل على أن الساق لم يرد بها الجارحة، فأولوه أنه عبارة عن شدة الأمر وعظم الخطب، وأصله في الروع والهزيمة وتشمير المخدرات عن سوقهن ومثله.
«وقامت الحرب بنا على ساق» . ومعناه يوم يشتد الأمر ويتفاقم ولا كشف ثمة ولا ساق كما تقول للأقطع الشحيح «يده مغلولة» ولا يد ثمة ولا غل وإنما هو مثل في البخل، وهكذا في الحديث ومعناه يشتد أمر الرحمن ويتفاقم هوله. قال في الكشاف: ثم كان من حق الساق أن تعرف على ما ذهب إليه المشبه لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده وهي ساق الرحمن.
وإنما جاءت منكرة في التمثيل للدلالة على أنه أمر فظيع هائل: قلت: الإنصاف أن هذا لا يرد على المشبه فإن له أن يقول إنما نكر الساق لأجل التعظيم أي ساق لا يكتنه كنه عظمتها كما يقول غيره. وقال أبو سعيد الضرير: ساق الشيء أصله الذي به قوامه كساق الشجر وساق الإنسان، فمعنى الآية يوم تظهر حقائق الأشياء وأصولها. وقيل: يكشف عن ساق جهنم أو عن ساق العرش أو عن ساق ملك مهيب. وقال أبو مسلم: هذا في الدنيا لأنه تعالى قال في وصف ذلك اليوم وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ ولا ريب أن يوم القيامة ليس فيه تعبد وتكليف فهو زمان العجز، أو آخر أيام دنياه فإنه في وقت النزع ترى الناس يدعون إلى الصلاة بالجماعة إذا حضرت أوقاتها وهؤلاء لا يستطيعون الصلاة لأنه الوقت الذي لا ينفع نفسا إيمانها. والتحقيق أن الذي ذكره محتمل إلا أن في تعليله ضعفا فإنا نوافقه أن يوم القيامة ليس وقت تعبد وتكليف. ولكن لا مانع من الدعاء إلى السجود للتوبيخ والتفضيح على رؤس الأشهاد. وقال الجبائي: لما خصص عدم الاستطاعة بالآخرة دل على أنهم كانوا يستطيعون فيبطل هذا قول من قال لا قدرة له على الإيمان، والجمع بين المتنافيين محال فالاستطاعة في الدنيا أيضا غير حاصلة على قول الجبائي. والجواب الصحيح عندي أن عدم الاستطاعة في الدنيا لمانع آخر وهو أنه تعالى لم يرد منهم الإيمان وعلم منهم الكفر وقدر لهم ذلك، وعدم الاستطاعة في الآخرة لمانع آخر له من السجود وهو لين المفاصل