للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرأ البقرة وآل عمران جد فينا. ويحتمل أن يراد ملكه وسلطانه أو غناه استعارة من الجد الذي هو الدولة والبخت لأن الملوك والأغنياء هم المجدودون.

وفي الحديث «لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» «١»

قال أبو عبيدة: لا ينفع ذا الغنى منك غناه.

وفي حديث آخر «قمت على باب الجنة فإذا غلقه من يدخلها من الفقراء وإذا أصحاب الجد محبوسون» «٢»

يعني أصحاب الغنى في الدنيا أي ارتفع غنى ربنا عن الاحتياج إلى الصاحبة والاستئناس بالولد كأنهم بسماع القرآن تنبهوا على خطا أهل الشرك من أهل الكتاب وغيرهم. فقوله مَا اتَّخَذَ بيان للأول.

وقيل: الجد أبو الأب وإن علا فهو مجاز عن الأصل أي تعالى أصل ربنا وهو حقيقته المخصوصة عن جميع جهات التعلق بالغير قاله الإمام في التفسير الكبير. النوع الثالث مما ذكره الجن قوله وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً السفه خفة العقل، والشطط مجاوزة الحد في الظلم وغيره ومنه أشط في السوم إذا أبعد فيه أي يقول قولا هو في نفسه شطط، وصف بالمصدر للمبالغة. والسفيه إبليس أو غيره من مردة الجن الذين جاوزوا الحد في طرف النفي إلى أن أفضى إلى التعطيل، أو في طرف الإثبات إلى أن أدى إلى الشريك والصاحبة والولد. الرابع وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي إنما أخذنا قول الغير لأنا ظننا أن لا يفتري الكذب على الله أحد، فلما سمعنا القرآن عرفنا أنهم قد يكذبون. وقال جار الله كَذِباً صفة أي قولا مكذوبا فيه، أو مصدر لأن الكذب نوع من القول. ومن قرأ بالتشديد وضع كَذِباً موضع تقولا ولم يجعله صفة لأن التقول لا يكون إلا كذبا. قال بعض العلماء: فيه ذم لطريقة أهل الطريق وحث على الاستدلال والنظر.

الخامس وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ الآية. قال جمهور المفسرين: كان الرجل في الجاهلية إذا سافر فأمسى في واد قفر خاف على نفسه قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه يريد الجن وكبيرهم فيبيت في جوار منهم حتى يصبح. وقال آخرون: إذا قحطوا بعثوا رائدهم فإذا وجد مكانا فيه كلأ وماء رجع إلى أهله فسار بهم، فإذا انتهوا إلى تلك الأرض نادوا نعوذ برب هذا الوادي أن يصيبنا آفة يعنون الجن فإن لم يفزعهم أحد نزلوا وربما أفزعهم الجن فهربوا. وقيل: المراد أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الإنس أيضا لكن من شر الجن كأن يقول مثلا: أعوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم من شر جن هذا الوادي. وإنما ذهبوا إلى هذا التأويل ظنا منهم بأن الرجل اسم الإنس لا اسم الجن، وضعف بأنه لم يقم دليل


(١) رواه البخاري في كتاب الأذان باب ١٥٥. مسلم في كتاب الصلاة حديث ١٩٤ أبو داود في كتاب الصلاة باب ١٤٠. الترمذي في كتاب الصلاة باب ١٠٨. النسائي في كتاب التطبيق باب ٢٩٥.
(٢) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب ٥١. مسلم في كتاب الذكر حديث ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>