للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن الذكر من الجن لا يسمى رجلا. أما قوله فَزادُوهُمْ رَهَقاً فمعناه أن الإنس لاستعاذتهم بهم زادوهم إثما وجراءة وطغيانا وكبرا لأنهم إذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا:

سدنا الجن والإنس. وقيل: ضمير الفاعل للجن أي فزاد الجن الإنس خوفا وغشيان شر باغوائهم وإضلالهم فإنهم لما تعوذوا بهم ولم يتعوذوا بالله استولوا واجترءوا عليهم. السادس وَأَنَّهُمْ أي الإنس ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أيها الجن قاله بعضهم لبعض. وقيل: هذه الآية والتي قبلها من جملة الوحي بلا تقدير الحكاية. والضمير في وَأَنَّهُمْ للجن، والخطاب في ظَنَنْتُمْ لأهل مكة. والأولى أن يكون الكلام من كلام الجن لئلا يقع كلام أجنبي في البين. السابع وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ قال أهل البيان: اللمس المس فاستعير للطلب لأن الماس طالب التعرف، والمعنى طلبنا بلوغ السماء واستماع كلام أهلها. والحرس اسم مفرد في معنى الحراس كالخدم بمعنى الخدام ولها لم يقل شداد. الثامن وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ إلى آخره وفي قوله شِهاباً رَصَداً وجوه: قال مقاتل: يعني رميا بالشهب ورصدا من الملائكة وهو اسم جمع كما قلنا في حرس. فقوله رَصَداً كالخبر بعد الخبر وقال الفراء: هو فعل بمعنى مفعول أي شهابا قد رصد ليرجم به. وقيل: بمعنى فاعل أي شهابا راصدا لأجله. واعلم أنا قد بينا في هذا الكتاب أن هذه الشهب كانت موجودة قبل مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم وقد جاء ذكرها في الجاهلية وفي كتب الفلاسفة، وإنما غلظت وشدد أمرها عند البعث لئلا يتشوش أمر الوحي بسبب تخليط الكهنة. وفي قوله كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ إشارة إلى أن الجنّ كانوا يجدون بعض المقاعد خالية عن الشهب والحرس والآن ملئت المقاعد كلها. التاسع وَأَنَّا لا نَدْرِي الآية. وفيه قولان: أحدهما لا ندري أن المقصود من منع الاستراق شر أريد بمن في الأرض أم خير وصلاح. وثانيهما لا نعلم أن المقصود من إرسال محمد الذي وقع المنع من الاستراق لأجله هو أن يكذبوه فيهلكوا كما هلك المكذبون من الأمم السالفة، أو أن يؤمنوا فيهتدوا، وفيه اعتراف من الجن بأنهم لا يعلمون الغيب على الإطلاق. العاشر وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ أي قوم أدون حالا في الصلاح من المذكورين حذف الموصوف واكتفى بالصفة كما في قوله وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ [الصافات: ١٦٤] وهذا القسم يشمل المقتصدين والصالحين. وقوله كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً بيان للقسمة المذكورة، فالطرائق جمع الطريقة بمعنى السيرة والمذهب، والقدد جمع قدة من قد كالقطعة من قطع أي كنا قبل الإسلام ذوي مذاهب متفرقة مختلفة أو على حذف المضاف أي كانت طرائقنا طرائق قدد، أو كنا في اختلاف أحوالنا مثل الطرائق المختلفة.

الحادي عشر وَأَنَّا ظَنَنَّا أي تيقنا وقد استعمل الظن الغالب مكان اليقين أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>