للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو ننسها على نسخ الحكم والتلاوة جميعا. وإنساؤها أن يذهب بحفظها عن القلوب وذلك بأن تخرج من جملة ما يتلى ويقرأ في الصلاة، أو يحتج به، فإذا زال حكم التعبد به وطال العهد نسي، وإن ذكر فعلى طريق ما يذكر خبر الواحد، فتصير بهذا الوجه منسية من الصدور أو يكون ذلك معجزة له صلى الله عليه وسلم كما

يروى أنهم كانوا يقرأون السورة فيصبحون وقد نسوها. قال عز من قائل سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى. إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الأعلى: ٦، ٧]

وإنساخ الآية الأمر بنسخها وهو أن يأمر جبريل بأن يجعلها منسوخة بالإعلام بنسخها، ونسؤها تأخيرها وإذهابها لا إلى بدل. وقيل: ما ننسخ من آية أي نبدلها إما بأن نبدل حكمها فقط، أو تلاوتها فقط، أو نبدلهما، أو ننسها نتركها كما كانت ولا نبدلها، لأن النسيان قد يجيء بمعنى الترك.

وقيل: ما ننسخ من آية ما نرفعها بعد إنزالها أو ننسأها بالهمزة نؤخر إنزالها من اللوح المحفوظ، أو نؤخر نسخها فلا ننسخها في الحال فإنا ننزل بدلها ما يقوم مقامها في المصلحة. ولا يخفى أن قوله نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها لا ينطبق على هذين القولين كما ينبغي. ومعنى الآية عند جمهور المفسرين آية القرآن، وعند أبي مسلم التوراة والإنجيل كما مر. وقد عرفت أنه يمكن حملها على معنى أعم، فكل مجموع من الوجود في كل زمان من الأزمنة آية من صحيفة المخلوقات، وكل فرد من ذلك المجموع كلمة من كلمة الله قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي [الكهف: ١٠٩] ومعنى نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها إن حملنا الآية على ما يتضمن حكما على المكلف أن الثاني أخف أو أصلح بالنسبة إلى وقته كما أن الأول كان أصلح بالإضافة إلى وقته. فالثاني خير بالنسبة إلى وقته، ومثل الأول بالنسبة إلى وقته، أو يراد أن العمل بالثاني أكثر ثوابا من العمل بالأول أو مساو له، فكل منهما قد تقتضيه الحكمة دون ما هو أقل ثوابا، وإن حملنا الآية على غير ذلك فيتعين الأصلح. قال أهل الإشارة أراد بالنسخ نقل السالك وترقيه من حال إلى حال أعلى منه، وإن غصن استكمالهم أبدا ناضر، ونجم وصالهم دائما زاهر، فلا ينسخ من آثار عباداتهم شيء إلا أبدل منها أشياء من أنوار العبودية، ولا ينسخ شيء من أنوار العبودية إلا أقيم مكانها أشياء من أقمار الربوبية. وأيضا إنهم يشاهدون بعض الوقائع الشريفة في الصور اللطيفة كسبتها المتخيلة بحسب صفاء الوقت وعلو المقام، فلما ارتقوا إلى مقام آخر لا يشاهدون ذلك بتلك المشاهدة، فيظن السالك الغر أنه حجب عن ذلك المقام أو الحال، فقيل: ما ننسخ من آية من آيات المقامات، أو ننسها بأن نمحوها من إدراك الخيال، نأت بخير من تلك المشاهدة أو مثلها. ثم الأئمة استنبطوا من الآية مسائل: الأولى: زعم قوم أنه لا يجوز نسخ الحكم لا إلى بدل لقوله نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها والجمهور على خلافه لأن الآية لا تدل إلا على وجوب الإتيان بآية أخرى، أما على وجوب الإتيان بحكم آخر فلا. سلمنا لكنه مخصوص بنسخ تقديم

<<  <  ج: ص:  >  >>