الصدقة بين يدي النجوى، وبنسخ وجوب الإمساك بعد الفطر من غير بدل. سلمنا عدم تخصيصه لكن لم لا يجوز أن يكون ذلك البدل عدم الحكم الذي رفع بالنسخ ويكون نسخه بغير بدل وجودي خيرا للمكلف لمصلحة علمت. الثانية: زعم قوم أن النسخ لا يجوز بأثقل، لأن الأثقل لا يكون خيرا منه ولا مثله. وردّ الجمهور عليهم بأن المراد كثرة الثواب وذلك لا ينافي كونه أثقل «أجرك على قدر نصبك» وأيضا قد وقع كنسخ التخيير بين الصوم والفدية بالصوم حتما، وصوم عاشوراء برمضان، والحبس في البيوت للزاني بالحد. وأما النسخ إلى الأخف فكنسخ العدة من الحول إلى أربعة أشهر وعشر، وكنسخ صلاة الليل إلى التخيير فيها. وأما نسخ الشيء إلى المثل فكالتحويل من بيت المقدس إلى الكعبة. الثالثة:
عن الشافعي أن الكتاب لا ينسخ بالسنة المتواترة لقوله نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها وذلك يدل على أن المأتي به من جنسه كما إذا قال الإنسان «ما آخذ منك من ثوب آتك بخير منه» يفيد أنه يأتيه بثوب من جنسه خير منه، وجنس القرآن قرآن. وأيضا نَأْتِ يدل على أن الآتي هو الله لا الرسول. وأيضا المأتي به خير والسنة لا تكون خيرا من القرآن. وأيضا قوله أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ دل على أن الآتي بذلك الخير هو القادر على جميع الخيرات وعلى تصريف المكلف تحت مشيئته وإرادته، لا دافع لما أراد ولا مانع لما شاء وذلك هو الله تعالى. وأجيب بأن قوله نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها ليس فيه أن ذلك الخير يجب أن يكون ناسخا، بل لا يمتنع أن يكون ذلك الخير شيئا مغايرا للناسخ يحصل بعد حصول النسخ وذلك أن الإتيان بذلك الخير مرتب على نسخ الآية الأولى، فلو كان نسخ تلك الآية مرتبا على الإتيان بذلك الخير لزم الدور. قلت: ويمكن دفع الدور بأن يقال: المراد ما أردنا نسخها من آية نأت بخير منها حتى ننسخها. ثم احتج الجمهور على وقوع نسخ الكتاب بالسنة بأن آية الوصية للأقربين منسوخة بقوله «ألا لا وصية لوارث» وبأن آية الجلد صارت منسوخة بخبر الرجم. أجاب الشافعي: بأن كون الميراث حقا للوارث يمنع من صرفه إلى الوصية، فثبت أن آية الميراث مانعة من الوصية، ولعل الرجم إنما ثبت بقوله تعالى «الشيخ والشيخة» إلخ.
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فهو يدبر الأمور ويجريها على حسب المصالح، وهو أعلم بما يتعبد المكلفين به من ناسخ ومنسوخ. والخطاب في أَلَمْ تَعْلَمْ إما للنبي صلى الله عليه وسلم فتدخل الأمة تبعا، أو لكل من له أهلية الخطاب. ومعنى الاستفهام فيه التقرير والإثبات لظهور آثار قدرته ووضوح آيات ملكه وسلطانه. وقيل: إشارة إلى ما شاهد ليلة المعجزات بعين اليقين ثم علمها حق اليقين، فترقى من رؤية الآيات إلى كشف الصفات، ومن كشف