وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ لعل الأعمى يَزَّكَّى عما لا ينبغي أَوْ يَذَّكَّرُ يتعظ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى فيفعل ما ينبغي. وقيل: الضمير في لَعَلَّهُ للكافر يعني أي شيء أدراك بحال كل من أولئك الكفرة حتى طمعت في تطهرهم من الأوزار وانتفاعهم بالاذكار. ثم زاد تصريحا لما فعل قائلا أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى أي بالمال. وقال عطاء: عن الإيمان. وقال الكلبي: أي عن الله. والأول أولى لأنهم كانوا أغنياء وما توجه الخطاب إلا من هذه الجهة وإن كان إسلامهم موهوما فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى تتعرض وأصله تتصدد من الصدد وهو ما استقبلك فصار قبالك وَما عَلَيْكَ يحتمل أن تكون «ما» استفهامية ونافية يعني أي وبال يعود عليك أو ليس عليك بأس في أن لا يتزكى ذلك المستغني إن عليك إلا البلاغ فما الموجب للحرص والتهالك على إسلامه حتى تكسر قلوب الفقراء بالعبوس والإعراض، وهذا معنى قوله وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى يسرع في طلب الخير وَهُوَ يَخْشى الله أو يخشى الكفار وأذاهم في إتيانك. وقيل: يخشى الكيوة لأنه أعمى ما كان له قائد فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى أي تتشاغل.
قال أهل المعاني: بناء الكلامين على ضمير المخاطب تقوية إنكار التصدي والتهلي عليه أي مثلك خصوصا لا ينبغي أن يتصدّى لغنى ويتلهى عن الفقير. قوله كَلَّا ردع عن المعاتب عليه وعن معاودة مثله أي لا تفعل مثل ذلك. ثم قال إِنَّها يعني آيات القرآن وهو قول مقاتل، أو هذه السورة وهو قول الكلبي واختاره الأخفش تَذْكِرَةٌ وهي في معنى الذكر والوعظ فلذلك قال فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ والمراد أن هذا القرآن أو هذا التأديب الذي عرفناكه في إجلال الفقراء وعدم الالتفات إلى أهل الدنيا ثبت في اللوح المحفوظ الذي قد وكل بحفظه أكابر الملائكة. وفيه أن القرآن الذي بلغ في العظمة إلى هذا الحد أيّ حاجة له إلى أن يقبله هؤلاء الكفرة، فسواء قبلوه أو لا فلا تلتفت إليهم واجتهد في تطيب قلوب الفقراء الذين هم أهل الإخلاص وحزب الله. ثم وصف الصحف بأنها مكرمة عند الله مرفوعة في السماء أو مرفوعة المقدار مطهرة عن أهل الخبائث لا يمسها إلا المطهرون من تلك الملائكة وتلك الصحف بِأَيْدِي سَفَرَةٍ قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وقتادة: هم الكتبة من الملائكة واحدها سافر مثل كتبة وكاتب، وقد مرّ في أول التفسير أن التركيب يدل على الكشف فبالكتابة يتبين ما في الضمير ويتضح. قال الفراء: اشتقاق السفرة من السفارة لأن الملائكة سفرة بين الله ورسوله ولا يخفى ما في السورة من معنى الكشف أيضا كِرامٍ على ربهم. وقال عطاء: أراد أنهم يكرمون من أن يكونوا مع ابن آدم إذا خلا مع زوجته للجماع وعند قضاء الحاجة بَرَرَةٍ أتقياء واحدها بارّ. وقيل: هي صحف الأنبياء فيكون كقوله إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى [الأعلى: ١٨] وقيل: السفرة القراء. وقيل: الصحابة. ثم عجب من