للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صناديد قريش وأضرابهم من أهل العجب والكفر المرتفعين على الفقراء مع أن أوّلهم نطفة مذرة وآخرهم جيفة قذرة وهم فيما بين الوقتين حملة عذرة فقال قُتِلَ الْإِنْسانُ وهو دعاء عليه أشنع دعوة لأنه لا أفظع من القتل وما أَكْفَرَهُ تعجب من حال إفراطه في الكفران وتلقي نعم خالقه بالجحود والطغيان، وهذا قد ورد على أسلوب كلام العرب وأنه لا يمكن أن يحمل في حقه تعالى إلا على إرادة إيصال العقاب الشديد وليكون لطفا للمعتبرين المتعجبين المتأملين في مراتب حدوثهم التي أوّلها نطفة وأشار إليها بقوله مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ والاستفهام لزيادة التقرير في التحقير.

ثم قال فَقَدَّرَهُ فحمله الفراء على أطواره بعد كونه نطفة إلى وقت إنشائه خلقا آخر، وعلى أحواله من كونه ذكرا أو أنثى وشقيا أو سعيدا. وقال الزجاج: قدره على الاستواء كقوله ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا [الكهف: ٣٧] ويحتمل أن يراد فقدر كل عضو في الكمية والكيفية على التقدير اللائق بمصلحته. وأما المرتبة الوسطى فإليها الإشارة بقوله ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ وهو نصب على شريطة التفسير فمن فسر التقدير بالأطوار فسر السبيل بمخرج الولد من بطن أمه. يقال: إن رأس المولود في بطن أمه يكون من فوق ورجله من تحت، فإذا جاء وقت الخروج انقلب بإلهام الله تعالى إياه على أن نفس خروج الولد حيا من ذلك المنفذ الضيق من أعجب العجائب وعلى التفاسير الأخر فالمراد تسهيل سبيل الخير والشر كقوله إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ [الدهر: ٣] وأشار إلى المرتبة الأخيرة بقوله ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ أي جعله ذا قبر فيكون متعديا إلى واحد، ويحتمل أن يكون الثاني محذوفا أي فأقبره غيره. يقال: قبر الميت إذا دفنه بنفسه، وأقبر غيره الميت إذا أمره بدفنه، فالمراد أن الله سبحانه أمر بدفن الأموات الإنسية تكرمة لهم دون أن يطرحوا على وجه الأرض طعمة للسباع كسائر الحيوان ثُمَّ إن في كل هذه الانتقالات دلالات واضحة على أنه سبحانه إِذا شاءَ أن ينشر الإنسان ببعثه من قبره أَنْشَرَهُ قوله كَلَّا يجوز أن يكون ردعا للإنسان عن تكبره وترفعه أو عن كفره وإنكاره المعاد. وقال في الكشاف: وهذا هو ردع للإنسان عما هو عليه فهذا قول مجاهد إن إنسانا لم يخل من تقصير قط فلم يقض أحد من لدن آدم إلى هذه الغاية جميع ما كان مفروضا عليه. وقال آخرون: معناه أن الإنسان الكافر لم يقض بعد ما أمره الله من التأمل في دلائل التوحيد والبعث. وقال الأستاذ أبو بكر بن فورك: القضاء بمعنى الحكم والضمير لله أي لم يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان وترك التكبر بل أمره بما لم يحكم له به. وحين فرغ من دلائل الأنفس أردفها بدلائل الآفاق قائلا فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ نظر استدلال وتدبر إِلى طَعامِهِ الذي يعيش به كيف دبرنا أمره من إنزال الماء من السماء، ثم شق

<<  <  ج: ص:  >  >>