للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرض بالنبات أو بالكراب على البقر فيكون إسناد الفعل إلى السبب. والحب ما يصلح للقوت كالحنطة والشعير، والقضب العلف بعينه قاله الحسن. وقال أكثر المفسرين: إنه القت لأنه يقضب مرة بعد أخرى أي يقطع. والغلب الغلاظ الأعناق في الأصل يقال: أسد أغلب، ثم استعير للحدائق أنفسها لتكاثف أشجارها ولأشجارها لعظمها وغلظها. ثم أجمل الفاكهة ليعم الكل وأجمل العلف بقوله وَأَبًّا للعموم وهو المرعى لأنه يؤب أي يؤم وينتجع. والأب والأم إخوان قاله جار الله. وقيل: الأب الفاكهة اليابسة المعدّة للبقاء. والفاء في قوله فَإِذا جاءَتِ مثل ما مر في «النازعات» والصَّاخَّةُ النفخة الأخيرة. قال الزجاج: أصل الصخ الطعن، والصك صخ رأسه بالحجر أي شدخه، والغراب يصخ بمنقاره في دبر البعير أي يطعن، والنفخة لشدّتها تصك الآذان. وقال جار الله: يقال صخ لحديثه مثل أصاخ له فوصف النفخة بالصاخة مجاز لأن الناس يصخون لها أي يستمعون. وفرار المرء من الجماعة المذكورين إما بالصورة وذلك للاحتراز عن المطالبة بالتبعات يقول الأخ: ما واسيتني بمالك. ويقول الأبوان: قصرت في برنا. وتقول الصاحبة: أطعمتني الحرام وفعلت كذا وكذا، والبنون يقولون: لم تعلمنا ولم ترشدنا. قال جار الله: إنما بدأ بالأخ ثم بالأبوين لأنهما أقرب منه، والفرار إنما يقع من الأبعد ثم من الأقرب، وأخر الصاحبة والبنين لأن البنين أقرب وأحب فكأنه قيل: يفر من أخيه بل من أبيه بل من صاحبته وبنيه. وأقول: هذا القول يستلزم أن تكون الصاحبة أقرب وأحب من الأبوين ولعله خلاف العقل والشرع، والأصوب أن يقال: أراد أن يذكر بعض من هو مطيف بالمرء في الدنيا من أقاربه في طرفي الصعود والنزول فبدأ بطرف الصعود لأن تقديم الأصل أولى من تقديم الفرع، وذكر أوّلا في كل من الطرفين من هو معه في درجة واحدة وهو الأخ في الأول، والصاحبة في الثاني على أن وجود البنين موقوف على وجود الصاحبة فكانت بالتقديم أولى. وقيل: أول من يفر من أخيه هابيل، ومن أبويه إبراهيم، ومن صاحبته نوح ولوط، ومن ابنه نوح. والأنسب عندي أن يكون الفار

قابيل وقد جاء هكذا في بعض الروايات، والأظهر أن الفرار المعنيّ هو قلة الاهتمام بشأن هؤلاء بدليل قوله لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ أي يصرفه ويصدّه عن قرابته. قال ابن قتيبة: ويقال أغن عني وجهك أي اصرفه. وعندي أن اشتقاقه من الغنى وذلك أن من أغناك فقد صرفك عن نفسه أو عن طلب حاجته. ثم ذكر أن الناس يومئذ فريقان وأن أهل الكمال تلوح على وجوههم أنوار الكمال من أسفر الصبح إذا أضاء يستبشرون بأنواع المسار، ويضحكون بدل ما كانوا يبكون في الدنيا خوفا من عقاب الله تعالى، وأن أهل النقائص يظهر على وجوههم سواد مع غبرة كوجوه الزنوج مثلا إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>