للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسمى لأن التسبيح أي التنزيه إنما يكون للمسمى لا للاسم. وأجاب المحققون عنه بأن الاسم صلة كقوله: «ثم اسم السلام عليكما» . سلمنا أنه غير صلة ولكن تسبيح اسمه تنزيهه عما لا يليق معناه بذاته تعالى أو صفاته أو بأفعاله أو بأحكامه، فإن العقائد الباطلة والمذاهب الفاسدة لم تنشأ إلا من هذه، ومن جملة ذلك أن يصان اسمه عن الابتذال والذكر لا على وجه الخشوع والتعظيم، وأن لا يسمى غيره بأسمائه الحسنى، وأن لا يطلق عليه من الأسامي إلا ما ورد به الإذن الشرعي. قال بعض العلماء: لعل الذين نقل عنهم أن الاسم نفس المسمى أرادوا به أن الاسم الذي حدّوه بأنه ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بزمان هو نفس مدلول هذا الحد. قال الفراء: لا فرق بين سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وبين «سبح باسم ربك» . واعترض عليه بأن الفرق هو أن الأول معناه نزه الاسم من السوء، والثاني معناه سبح الله أي نزهه بسبب ذكر أسمائه العظام، أو متلبسا بذكره إلا أن تجعل الباء صلة في الثاني نحو وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ [البقرة: ١٩٥] أو مضمرة في الأول مثل وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ [الأعراف: ١٥٥] أي من قومه. نعم لو زعم الفراء أن المعنيين متلازمان جاز. ومن الملاحدة من طعن في القرآن بأنه يقتضي أن يكون للعالم ربان أحدهما عظيم وهو في قوله فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة: ٩٦] والآخر أعلى منه وهو سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى والجواب أنه عظيم في نفسه وأعلى وأجل من جميع الممكنات، والصفة كاشفة لا مميزة ونظيره وصفه بالكبير تارة وبالأكبر أخرى. والمراد بالعظم والعلو عظم الشرف وعلو القدر فلا استدلال فيه للمشبهة. ثم شرع في بعض أوصافه الكمالية فقال الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وقد مر نظيره في «الانفطار» أي خلق الإنسان فجعله منتصب القامة في أحسن تقويم، أو خلق كل حيوان بل كل ممكن فجعله مستعدّا للكمال اللائق بحاله.

وَالَّذِي قَدَّرَ لكل مخلوق ما يصلح له فهداه إليه وعرّفه وجه الانتفاع به كما يحكى أن الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت وقد ألهمها الله أن تمسح العين بورق الرازيانج الرطب فتطلبه إلى أن تجده فيعود بصرها، وإلهامات البهائم والطيور مشروحة مكتوبة في كتب العجائب. وقال الحكيم: كل مزاج فإنه مستعدّ لقوة خاصة، وكل قوة فإنها لا تصلح إلا لفعل معين فالتقدير عبارة عن التصرف في الأجزاء الجسمية، وتركيبها على وجه خاص لأجله يستعدّ لقبول تلك القوى، والهداية عبارة عن خلق تلك القوى في تلك الأعضاء بحيث تكون كل قوّة مصدرا لفعل معين، ويحصل من مجموعها إتمام المصلحة. وقد خصه بعض المفسرين فقال مقاتل: هدى الذكر للأنثى كيف يأتيها. وقال غيره: هداه لمعيشته ومرعاه. وقيل: هداه لسبيل الخير والشر. وقال السدّي: قدر مدة مكث الجنين في الرحم

<<  <  ج: ص:  >  >>