ثم هداه للخروج. وقال الفراء: قدّر فهدى وأضل فاكتفى بذكر أحدهما كقوله سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: ٨١] وقيل: الهداية بمعنى الدعاء إلى الإيمان أي قدّر دعاء الكل إلى الإيمان فدعاهم إليه كقوله وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: ٥٢] وقيل: دلهم بأفعاله على توحيده وكبريائه «ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد» ومن جملة ذلك إخراج المرعى وهو الكلأ الأخضر، ثم جعله غثاء وهو ما يبس من النبات فحملته الأهوية وطيرته الرياح. والظاهر أن أحوى صفة للغثاء. والحوّة السواد، فالعشب إذا يبس واستولى البرد عليه جعل يضرب إلى السواد، وقد يحتمله السيل فيلصق به أجزاء كدرة. وقال الفراء وأبو عبيدة: الأحوى هو الأسود لشدّة خضرته وعلى هذا يكون حالا من ضمير الْمَرْعى أي صيره في حال حوّته غثاء. وقال جار الله: هو حال من الْمَرْعى أي أخرجه أسود من الخضرة والري فجعله غثاء وحين أمره بالتسبيح بشره وشرفه بإيتاء آية باهرة وهي أن يقرأ عليه جبرائيل ما يقرأ من الوحي الذي هو أشرف أنواع الذكر فيحفظه لا ينساه إلا ما شاء الله أن ينساه وهو أحد طريقي النسخ.
فقال مجاهد ومقاتل والكلبي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن كثر تحريك لسانه مخافة أن ينسى فقيل له: لا تعجل بالقراءة فإن جبرائيل مأمور بأن يكرر عليك إلى أن تحفظه
نظيره وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه: ١١٤] وعلى هذا يجوز أن يراد بالتعليم والإقراء شرح الصدر وتقوية الحفظ بحيث يبقى القرآن محفوظا له من غير دراسة، ومع أنه أمي فيكون إعجازا. وعن بعضهم أن قوله فَلا تَنْسى نهي لا خبر، والألف مزيدة للفاصلة نحو الظُّنُونَا [الأحزاب: ١٠] والسَّبِيلَا [الأحزاب: ٦٧] وضعف بأن الزيادة خلاف الأصل فلا يصار إليها إلا لدليل ظاهر. وأما إذا جعلناه خبرا كان معنى الآية البشارة بأنا جعلناك بحيث لا تنسى، وإن جعلناه نهيا كان أمرا بالمواظبة على الأسباب المانعة من النسيان وهي الدراسة والقراءة والبحث فلا يكون من البشارة في شيء. وأيضا النسيان لا يتعلق بقدرة العبد فيلزم أن يحمل النهي عنه على الأمر بالأسباب المانعة منه وهو خلاف الظاهر، أما الاستثناء ففيه قولان: الأول أنه ليس على حقيقته، فقد روي عن الكلبي أنه صلى الله عليه وسلم لم ينس بعد نزول هذه الآية شيئا. وعلى هذا فالمقصود من الاستثناء إما نفي النسيان رأسا كما تستعمل القلة في معنى العدم، وإما التبرك بذكر هذه الكلمة وتعليم العباد أن لا يتركوها في كل ما يخبرون عنه، وفيه أنه تعالى قادر على إنسائه إلا أنه لا ينسيه بفضله وإحسانه، وفيه لطف للنبي صلى الله عليه وسلم أن يكون متيقظا مبالغا دراسة ما ينزل عليه من الوحي قليلا كان أو كثيرا، فإن كل جزء من أجزائه يحتمل أن يكون هو المستثنى. الثاني أنه حقيقة. ثم حمله مقاتل على النسخ كما مر. وقال الزجاج: أراد إلا أن يشاء الله فتنساه ثم تذكره بعد النسيان كما