المؤثر فجعل كأن لعدم الأثر تأثيرا في عدم المؤثر، فكذلك ينتقل من وجود الأثر إلى وجود المؤثر فيصح أن يقال: إن وجود الأثر علة لوجود المؤثر وهذا معنى كون النهار مجليا للشمس. والطحو مثل الدحو وقد مر في «النازعات» أي بسطها على الماء. وتنكير النفس إما للتنويع أي نفس خاصة من بين النفوس وهي النفس القدسية النبوية التي تصلح لرياسة ما سواها من النفوس، وإما للتكثير على الوجه المذكور في قوله عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ [التكوير: ١٤] وتسويتها إعطاء قواها بحسب حاجتها إلى تدبير البدن وهي الحواس الظاهرة والباطنة والقوى الطبيعية المخدومة والخادمة وغيرها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها قالت المعتزلة: هو كقوله وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد: ١٠] أي علمناه وعرفناه سلوك طريقي الخير والشر ويعضده ما بعده قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها والتدسية ضد التزكية. وأصل دسي دسس قلب أحد حرفي التضعيف ياء كما في «قضيت» . والتدسيس مبالغة الدس وهو الإخفاء في التراب قال عز من قائل أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ [النحل: ٥٩] والضمير في «زكى» و «دسى» ل «من» وقال أهل السنة: الضميران لله تعالى و «من» عبارة عن النفس والمعنى: قد سعدت نفس زكاها الله تعالى وخلقها طاهرة، وخابت نفس دساها الله وخلقها كافرة فاجرة. وقد يروى هذا الوجه عن سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومقاتل والكلبي قالوا: أصل الإلهام من قولهم «لهم الشيء والتهمه» إذا ابتلعه و «ألهمته إياه» أي أبلغته ذلك. فالإلهام الإبلاع أي وضع الإيمان في قلب المؤمن والكفر في قلب الكافر. ثم وعظهم بقصة ثمود لقربها من ديارهم. ولأهل التأويل أن يقولوا: إنما خص هذه القصة لأن ناقة الله هي البدن وعبر بصالح عن الروح، فلما كانت قصة ثمود مناسبة لأحوال النفس الإنسانية كما مرت في التأويلات، وكانت هذه السورة مسوقة لبيان مراتب النفس في السعادة والشقاوة، وخصت القصة بالذكر لذلك، وعلى هذا التأويل قد يراد بالشمس تجلي النفس الناطقة على البدن بالتدبير الكامل، وبالقمر الروح الحيواني. أو شمس المعرفة، وقمر المكاشفة، ونهار وليل المحو، وسماء الروح وأرض القلب كما مر مرارا. والطغوى اسم من الطغيان كالتقوى من الوقاية قلبت ياؤه واوا فرقا بين ما هي اسم وبين ما هي صفة كقولهم «امرأة خزيا وصديا» والباء للآلة أي فعلت التكذيب بواسطة طغيانها. وقيل:
المضاف محذوف والمجموع صفة للعذاب والباء للإلصاق أي كذبت ثمود بما أوعدت من العذاب ذي الطغوى كقوله فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [الحاقة: ٥] والأول أوضح لئلا يكون قوله فَكَذَّبُوهُ تكرارا. ومعنى انْبَعَثَ تحركت داعيته وقوي عزمه على العقر. وأَشْقاها عاقر الناقة قدار بن سالف، أو هو مع من ساعده على ذلك فإن أفعل التفضيل يجوز أن لا