يهيجوا قتالا وفتنة. وأيضا القليل منهم كان يقاوم الكثير من المشركين إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال: ٦٥] وأيضا جعل الصابر إلى القوة قويا ليظهره على الدين كله. وقيل: المراد بالعفو والصفح حسن الاستدعاء واستعمال ما يلزم فيهم من النصح والإشفاق وترك التشدد، وعلى هذا لا تكون الآية منسوخة. وكذا لو قيل: المراد بأمر الله قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير وإذ لا لهم بضرب الجزية عليهم إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فهو يقدر على الانتقام منهم وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ تنبيه على أنه كما يلزمهم لحظ حال غيرهم بالعفو والصفح، كذلك يلزمهم لحظ أنفسهم بأداء الواجبات من خير من حسنة صلوات أو صدقة فريضة أو تطوع، فعمم بعد ما خص تنبيها على أن الثواب لا يختص بالواجبات بل بها وبغيرها من الطاعات، ولا بد من إضمار أي تحدوا ثوابه، لأن وجدان عين تلك الأشياء غير مطلوب إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لا يخفى عليه شيء من الأعمال وفيه ترغيب للمحسن وترهيب للمسيء وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ نوع آخر من تخليط أهل الكتاب اليهود والنصارى والضمير في وَقالُوا لهم والمعنى وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا وقالت النصارى لن يدخلها إلا من كان نصارى، فضم بين القولين ثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق ما قاله لما علم من تكفير كل واحد منهما صاحبه ومثله وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا [البقرة: ١٣٥] والهود جمع هائد كبازل وبزل وعائذ وعوذ، والعائذ الحديثة النتاج من النوق، والبازل الذي خرج نابه، ووحد اسم «كان» حملا على لفظ «من» وجمع خبره حملا على المعنى ومثله فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [البقرة: ١١٢] تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ على حذف المضاف أي أمثال تلك الأمنية أمانيهم، يريد أن أمانيهم جميعا في البطلان مثل هذه وهي قولهم لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أو أشير بتلك إلى أن ودادتهم أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم أمنية، وودادتهم أن يردوهم كفارا أمنية، وقولهم لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أمنية أي تلك الأماني الباطلة أمانيهم، وقوله قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ متصل بقوله لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى وتِلْكَ أَمانِيُّهُمْ اعتراض على هذا. وهات الشيء اسم فعل معناه أعط، ويتصرف فيه بحسب المأمور هات، هاتيا، هاتوا، هاتي، هاتين، وقيل: الصحيح أنه ليس باسم فعل وإنما الهاء فيه مبدلة من الهمزة، وأصله آت من الإيتاء. برهانكم حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم، وفيه دليل واضح على أن المدعي نفيا أو إثباتا لا بد له من برهان وإلا فدعواه باطلة.